


تستعرض دراسة "اللاعدالة المائية في لبنان"، التي أعدّها مركز الدراسات الاجتماعية والعمل (CeSSRA) بالتعاون مع اليونيسف، الأبعاد المنهجية والمعيشة لانعدام الأمن المائي من خلال دراسة حالة في بلدة بر الياس، التي تمثل هشاشة الواقع البيئي والاجتماعي الأوسع في لبنان. من خلال مقابلات مع الأسر المتضررة وأصحاب المصلحة المحليين، تكشف الدراسة كيف تتقاطع البنى التحتية المتداعية، وتلوّث نهر الليطاني، وسوء الحوكمة، لتؤثر بشكل غير متكافئ على الفئات الضعيفة، خصوصًا النساء والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة. لا يقتصر انعدام الوصول إلى المياه على شح الموارد، بل يتداخل مع التهميش الاجتماعي والاقتصادي، والفروقات الجغرافية، والإهمال السياسي، مما يعمق أوجه اللاعدالة في الصحة والتعليم والكرامة. كما أن تسليع المياه والاعتماد على آليات غير رسمية للتأقلم يبرزان الحاجة الملحّة إلى حوكمة مائية قائمة على الحقوق وخدمات محلية فعالة.
تتجاوز هذه الدراسة السياق المحلي لبر الياس، لتقدّم قراءة نقدية لنظام الحوكمة المائية في لبنان وعجزه عن ضمان الحق الإنساني في المياه. تدعو الدراسة صانعي السياسات إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية تستجيب في الوقت نفسه للاحتياجات المجتمعية، مع التركيز على العبء الجندري لفقر المياه وتآكل الاستقلالية في ظل الأزمات المتراكمة. وبينما تُظهر المجتمعات قدرة على التأقلم عبر شبكات الدعم الاجتماعي واستراتيجيات التكيّف، تبقى هذه الجهود غير كافية في غياب الحلول المنهجية. وتدعو الدراسة إلى اعتماد نهج متكامل يربط بين العدالة البيئية، والاستثمار في البنية التحتية، والحوكمة التشاركية، للحؤول دون تعميق الانقسامات الاجتماعية والسياسية في لبنان نتيجة أزمة المياه.