
أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة (أخبار إنمائية) — في خطوة بارزة تعكس إعادة تشكيل مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن إنشاء أكبر حرم للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة، في لحظة محورية ضمن طموحاتها للتحول الرقمي.
وقد تم الكشف عن المشروع في 16 مايو، ويقوم على إنشاء مركز بيانات بقدرة 5 غيغاواط في أبو ظبي، ضمن شراكة استراتيجية جديدة بين الإمارات والولايات المتحدة. ووفقًا لبيان مشترك صادر عن وزارة التجارة الأميركية، جاء هذا الإعلان خلال حدث ثنائي حضره رئيسا الدولتين، ما يمثل بداية فصل جديد في التعاون بمجال الذكاء الاصطناعي، حيث تسعى الإمارات لتعميق شراكاتها مع قادة التكنولوجيا في الغرب، مع الابتعاد عن الروابط السابقة مع شركات الذكاء الاصطناعي الصينية.
وسيشكّل "أوبن إيه آي" (OpenAI) — المطوّر لنظام "تشات جي بي تي" — أحد الشركاء الرئيسيين في هذا المشروع، حيث سيساهم في تطوير الحرم بالتعاون مع شركة G42 الإماراتية وعدد من شركات الحوسبة الأميركية العملاقة، بحسب ما أوردته وكالة بلومبرغ. ويهدف المركز إلى دعم الحوسبة فائقة الأداء، وتطوير نماذج اللغة المتقدمة، وأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي الناشئة، ومن المتوقع أن يكون من بين أكبر مراكز البيانات في العالم.
يعكس هذا التحول الاستراتيجي تحولًا أوسع في الأجندة الرقمية للإمارات — مزيجًا بين الابتكار، والسيادة، والتنمية الأخلاقية. وبعد فترة من التوتر في العلاقات مع واشنطن نتيجة الشراكات مع الصين، يشير التزام أبو ظبي المتجدد بالتعاون مع الولايات المتحدة إلى توجه واضح نحو بناء أنظمة تكنولوجية "موثوقة وشفافة"، بحسب تصريحات مسؤولين أميركيين.
ورغم عدم الكشف عن التفاصيل المالية للمشروع، فإن تداعياته التنموية واسعة النطاق. فمن المتوقع أن يسهم في تسريع نقل المهارات، وخلق فرص عمل، وتعزيز البحث العلمي، مما يعزز موقع الإمارات كمركز إقليمي للابتكار والحوكمة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وبحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز، ينسجم هذا الاتفاق أيضًا مع مساعي الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ الصيني في التقنيات المتقدمة من خلال تحالفات استراتيجية — ما يرسخ شكلًا جديدًا من "الدبلوماسية الرقمية".
بعيدًا عن الجغرافيا السياسية، يُعد المشروع نقلة نوعية في مجال البنية التحتية الداعمة لبناء قدرات الذكاء الاصطناعي المسؤول في دول الجنوب العالمي. ومع توقعات باستهلاك طاقة تصل إلى 5 غيغاواط، يفتح المشروع كذلك نقاشات ضرورية حول استدامة مراكز البيانات، وهو أولوية متنامية لدى كلا البلدين في ظل تصاعد القلق من البصمة البيئية للذكاء الاصطناعي.
ووفقًا لتقرير Data Center Dynamics، سيتم تشغيل الحرم عبر مشروع مشترك يجمع بين خبرة G42 الإقليمية والقدرات التقنية لشركات الحوسبة الأميركية العملاقة — ما يعزز استراتيجية الإمارات في بناء شراكات عابرة للحدود من أجل تحقيق التنمية التحولية.
ومع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع، تتجه الأنظار إلى الدور الذي سيلعبه هذا الحرم في خدمة الأهداف الأوسع — من تنويع الاقتصادات في الشرق الأوسط إلى رسم ملامح مستقبل رقمي شامل. بالنسبة للإمارات، لا يمثل هذا مجرد إنجاز تقني، بل رسالة واضحة: أن الطريق نحو ذكاء اصطناعي أخلاقي ومتكامل عالميًا يبدأ من هنا.



