جنيف (أخبار إنمائية)—اعتمدت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية رسميًا معاهدة جديدة للاستعداد للأوبئة، في اتفاق تاريخي يهدف إلى تجنب الفوضى وعدم المساواة التي شهدها العالم خلال جائحة كوفيد-19، وبناء إطار أكثر تعاونًا للصحة العالمية في المستقبل. وتشكل هذه الخطوة لحظة مفصلية في دبلوماسية الصحة العالمية.

جاء هذا القرار خلال أعمال الدورة الـ78 لجمعية الصحة العالمية في جنيف، حيث شاركت 194 دولة عضوًا في منظمة الصحة العالمية في المفاوضات النهائية. وتُعرف المعاهدة، التي أُطلق عليها من قِبل البعض اسم "اتفاق الجائحة"، بأنها ثمرة ثلاث سنوات تقريبًا من المناقشات المكثفة التي أعقبت الإخفاقات التي كشفت عنها جائحة كوفيد-19. اقرأ المزيد

وتهدف المعاهدة بالدرجة الأولى إلى تعزيز التنسيق العالمي، وتحسين تبادل المعلومات، وضمان الوصول العادل إلى أدوات التصدي للأوبئة، من التشخيص والعلاجات إلى اللقاحات. وتضم المعاهدة بندًا يُلزم شركات الأدوية والحكومات بتخصيص ما يصل إلى 20% من منتجاتها المتعلقة بالجائحة لمنظمة الصحة العالمية، على أن يتم تقديم 10% منها كتبرعات و10% بأسعار ميسرة. ويأتي ذلك في محاولة لمنع تكرار "قومية اللقاحات" وعدم المساواة في التوزيع التي عانت منها الدول منخفضة الدخل خلال جائحة كورونا.

لكن الولايات المتحدة والأرجنتين لم تؤيدا المعاهدة. لا تزال الولايات المتحدة تتعامل بحذر إزاء التنازل عن سيادتها الوطنية لصالح المؤسسات العالمية، وسط انقسامات سياسية داخلية. أما الأرجنتين، بقيادة الرئيس اليميني خافيير ميلي، فقد أعلنت في وقت سابق من هذا العام انسحابها الكامل من منظمة الصحة العالمية، بسبب ما وصفته بدوافع أيديولوجية. وتُبرز هذه المواقف مدى هشاشة التضامن العالمي حين يتعلق الأمر بالأطر الصحية متعددة الأطراف.

ورغم اعتماد المعاهدة، لا تزال العديد من تفاصيلها التشغيلية بحاجة إلى التوضيح. إذ وافقت الدول على صياغة ملحق بحلول عام 2026 يحدد آليات التوزيع العادل لأدوات التصدي للأوبئة. ولا تحتوي الوثيقة الحالية على صلاحيات إنفاذ، لذا فإن تنفيذها سيعتمد إلى حد كبير على التشريعات الوطنية والإرادة السياسية.

وفي خطوة موازية، وافقت الدول الأعضاء أيضًا على زيادة إلزامية بنسبة 20% في مساهماتها المالية لمنظمة الصحة العالمية، بهدف تقليل اعتماد المنظمة على التمويل الطوعي وتعزيز استقلاليتها وقدرتها على الاستجابة للطوارئ الصحية المستقبلية. ومع تصاعد مخاطر الأمراض المرتبطة بتغير المناخ ومقاومة المضادات الحيوية وظهور أوبئة جديدة، قد تكون هذه المعاهدة نواة ضرورية لاتفاق صحي عالمي يقوم على العدالة والتعاون.