أخبار إنمائية
أخبار إنمائية

بيروت، لبنان (أخبار إنمائية) — أنهت بعثة صندوق النقد الدولي، برئاسة إرنستو راميريز ريغو، زيارتها إلى لبنان في 5 حزيران 2025، بعد ثمانية أيام من الاجتماعات والمباحثات التي انطلقت في 28 أيار، وذلك تلبيةً لطلب رسمي من السلطات اللبنانية بهدف إطلاق النقاش حول برنامج إصلاحي شامل قد يحظى بدعم الصندوق.

خلال الزيارة، عقدت البعثة لقاءات مع كبار المسؤولين اللبنانيين، بمن فيهم رئيس الجمهورية، ووزيرا المالية والاقتصاد، بالإضافة إلى عدد من الهيئات الاقتصادية. وقد هدفت هذه الاجتماعات إلى توضيح الإصلاحات الأساسية المطلوبة والتي تشكّل قاعدة لأي اتفاق مرتقب مع صندوق النقد.

أولويات الصندوق في لبنان

تركّز أولويات صندوق النقد في هذه المرحلة على استعادة الاستقرارين المالي والاقتصادي، وتنفيذ إصلاحات بنيوية طال انتظارها. وقد شدّد الصندوق على أن التوصّل إلى اتفاق نهائي مشروط بالتزام لبنان بتشريعات محددة وخطوات إصلاحية حاسمة.

وتُعد هذه المحادثات خطوة تمهيدية نحو اتفاق رسمي، يعوّل الجانبان على إنجازه قبل الانتخابات النيابية المقررة العام المقبل. ويواصل الصندوق التنسيق مع المسؤولين اللبنانيين لمراقبة التقدّم في تنفيذ الإصلاحات وضمان إقرار القوانين المطلوبة.

ومن المتوقّع أن تعود البعثة إلى بيروت في شهر أيلول المقبل لمراجعة ما تحقق، في حين يستعد نواب حاكم مصرف لبنان للتوجّه إلى واشنطن لعقد اجتماعات إضافية تركز على الملفات النقدية والمصرفية.

ولم يحدّد صندوق النقد جدولاً زمنياً لتوقيع الاتفاق، مشيراً إلى أن الأمر يعتمد كلياً على مدى التزام لبنان بتنفيذ الإصلاحات. وقد شهدت الفترة الأخيرة بعض التقدّم، لا سيما مع إقرار التعديلات على قانون السرية المصرفية في مجلس النواب في نيسان الماضي.

في المقابل، لا تزال إصلاحات جوهرية أخرى قيد المتابعة، منها مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي أقرّته الحكومة وأحالته إلى البرلمان. ويهدف القانون إلى حماية صغار المودعين، إعادة رسملة المصارف، وتنظيم القطاع بشكل مستدام. وقد بدأت لجنة المال والموازنة دراسة المشروع، لكن تنفيذه يرتبط بإقرار قانون آخر يُعنى بمعالجة الفجوة المالية وتحديد كيفية توزيع الخسائر بين الدولة والمصارف والمودعين.

ويتوقّع الصندوق أن يتم إقرار قانون إعادة هيكلة المصارف خلال الشهر الجاري. كما يرى أن إعداد موازنة لعام 2026 بدون عجز خطوة أساسية، مع منح الحكومة هامش القرار حول آليات زيادة الإيرادات، سواء من خلال الضرائب أو الرسوم.

وفي حال أنجزت الحكومة اللبنانية برنامجاً إصلاحياً مفصّلاً وفعلياً، يمكن التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد. ومع ذلك، فإن المبلغ المتوقع للدعم لا يزال متواضعاً — نحو 3 مليارات دولار، وربما أقل — رغم أن البعض يأمل بالحصول على رقم أكبر.

بيان صندوق النقد الدولي

في ختام الزيارة، صرّح رئيس البعثة إرنستو راميريز ريغو بأن البعثة أجرت مناقشات بنّاءة مع السلطات اللبنانية بشأن برنامج إصلاح اقتصادي شامل يهدف إلى استعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي وتوفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار.

وأوضح ريغو أن المباحثات الأولية شملت محاور إصلاحية رئيسية، أبرزها: إعادة تأهيل القطاع المصرفي مع حماية حقوق المودعين قدر الإمكان، تحقيق الاستدامة المالية وضبط الدين العام بالتوازي مع دعم شبكات الأمان الاجتماعي، بناء القدرات المؤسسية، واعتماد أطر مستقرة للسياسة النقدية وسعر الصرف.

كما تناولت المحادثات تحسين الحوكمة والشفافية، وتطوير أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى إصلاح المؤسسات العامة.

وأشار ريغو إلى أن البرلمان اللبناني من المتوقع أن يقرّ القوانين العالقة قريباً، مضيفاً أن البعثة ناقشت أيضاً مع المسؤولين اللبنانيين استراتيجيات استرداد الودائع وخطط إعادة هيكلة المصارف. وقال: "لا يزال هناك الكثير من العمل المطلوب لضمان توافق هذه الخطط مع المعايير الدولية ومتطلبات استدامة الدين."

وقد استعرضت البعثة أيضاً مشروع موازنة عام 2026، وناقشت إمكانية وضع إطار مالي متوسط الأجل. وبالنظر إلى ضيق الهامش المالي لدى الدولة، شدد الصندوق على ضرورة أن تُغطى أي نفقات جديدة بالكامل من خلال إيرادات مقابلة، بما في ذلك تحسين إدارة الجمارك والضرائب.

وقال ريغو:"ثمة حاجة ماسة إلى استراتيجية طموحة لتحصيل الإيرادات وترشيد النفقات على المدى المتوسط، إلى جانب تعزيز الشفافية والإدارة المالية لخدمة المصلحة العامة."

وأكد صندوق النقد أن تحسين المالية العامة أمر ضروري لزيادة الإنفاق الاجتماعي والاستثماري، ويجب أن يُدعم ذلك بخطة لإعادة هيكلة سندات اليوروبوندز بما يساهم في استعادة استدامة الدين العام.

وقال ريغو: "نظراً لحجم التحديات المرتبطة بإعادة الإعمار، فإن جهود الإصلاح في لبنان تتطلب دعماً كبيراً من الشركاء الدوليين، ويفضل أن يكون هذا الدعم بشروط ميسّرة للغاية. كما أن تقديم مساعدات إضافية أمر ضروري لمساعدة لبنان على تحمّل عبء استضافة عدد كبير من اللاجئين."

وختم ريغو بالإشارة إلى أن النقاشات حول البرنامج الإصلاحي ستتواصل، سواء من مقر صندوق النقد الدولي أو من خلال بعثات لاحقة، مؤكداً التزام الصندوق بمواصلة دعم لبنان وفقاً لتفويضه وسياساته.