
بيروت، لبنان (أخبار إنمائية) — تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، نظّمت مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة، بالتعاون مع منتدى الدولة الوطنية ومنتدى شباب نهوض لبنان، وبالشراكة الإعلامية مع "إنمائية"، فعالية وطنية بعنوان "قراءات في خطاب القسم" يوم الجمعة ١٣ حزيران ٢٠٢٥ في فندق فينيسيا – بيروت. حضر الفعالية معالي الوزير غسان سلامة ممثلاً لرئيس الجمهورية، دولة الرئيس السابق نجيب ميقاتي، معالي وزير الاقتصاد عامر بساط، معالي وزير الإعلام بول مرقص، النواب، وشخصيات نقابية، أكاديمية، قطاعية، وطلابية.
وجاءت هذه الفعالية بهدف رفع وعي المواطنين بمضامين خطاب القسم، وإشراكهم في تحقيق أهدافه التي تُعتبر رؤية استراتيجية تحاكي كل أجيال لبنان في كل مناطقه. وفي هذا الإطار، أوضحت السيدة بهية الحريري:
"منتدى شباب نهوض لبنان.. الذي يتشارك اليوم مع منتدى الدولة الوطنية.. وبرنامج التّربية على الديموقراطية.. وموقع إنمائية.. والذين يتشاركون في إطلاق.. برنامج قراءات في خطاب القسم.. وإنّنا نتطلّع إلى مشاركة الجامعات.. والنّقابات القطاعية.. والتجمعات المدنية.. والشبابية.. والمناطقية.."
وقد أطلق منتدى الدولة الوطنية هذا البرنامج الذي يُقدّم "القراءات" كأداة تحليلية علمية لتفكيك النصوص الرسمية والسياسية، وخاصة وثيقة خطاب قسم رئيس الجمهورية. وشرح شباب المنتدى أن "القراءات" هي منهجية بحثية تجمع بين التحليل الكمي والكيفي للنصوص، بهدف استخراج دلالات دقيقة وفهم السياقات العميقة الكامنة فيها. وتعتمد هذه المنهجية على عدة أدوات تحليلية، منها التحليل المعزز بالمدونات (Discourse Analysis)، تحليل تكرار القضايا (Issue Frequency)، التنقيب في النصوص وتحليل الشبكات (Text Mining & Network Analysis)، إضافة إلى توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لتعزيز نتائج التحليل.
بدورها، قدم منتدى شباب نهوض لبنان عينة من القراءات المعمقة في خطاب القسم، حيث أظهر تحليل تكرار المصطلحات أن الخطاب ركّز على ثلاثة مصطلحات أساسية تكررت أكثر من 12 مرة، وهي: لبنان (40 تكراراً)، عهد (27 تكراراً)، والدولة (12 تكراراً).
وجاء في الخطاب تأكيد على أهمية بناء دولة قوية، "دولة تلتزم بسيادة القانون وتعتمد على تكامل المؤسسات في حماية الوطن وتعزيز الاقتصاد والتنمية وحماية الحدود. فالدولة تعزز الانتظام العام، وتحتكم إلى القانون، تبني الاقتصاد، تكفل الحقوق، تواجه الاحتلال وتحفظ السيادة."
كما قارب الرئيس لبنان من عدة زوايا، منها لبنان الوطن في سياق التاريخ والسيادة والاستقلال، ولبنان المواطن في إطار المواطنة والكرامة والإبداع والتأقلم، ولبنان القيم الوطنية عبر المساواة والوحدة والتنوع والتكامل الوطني.
وشمل الخطاب تقديم 112 تعهداً مصنّفة ضمن 23 هدفاً فرعياً، موزعة على خمسة أهداف رئيسية:
الإصلاح السياسي والإداري
الاقتصاد والتنمية
العدالة وحقوق الإنسان
الأمن والدفاع
العلاقات الخارجية
وفي سياق تفعيل هذه التعهدات، قدم المنتدى عينة من القراءات المعمقة في الواقع القطاعي اللبناني، مستندة إلى 24 تقريراً و22 منصة إلكترونية، مع مؤشرات كمية ونوعية تعكس التحديات والفرص ضمن القطاعات التي التزم بها الرئيس في خطابه. وشمل العرض تقييم أثر الشغور الرئاسي منذ عام 2022، والواقع المؤسساتي، وصولاً إلى تداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة وتقاطعاتها مع مضامين خطاب القسم.
من جانبها، أكدت معالي الوزيرة السابقة السيدة بهية الحريري أن المبادرة تأتي استكمالاً لجهود المؤسسة في تحويل خطاب القسم إلى خارطة طريق إصلاحية وإنقاذية تُحلل وتناقش بمسؤولية وطنية، مشيرة إلى أن:
"مدرسة لبنان علمتنا أشدّ أنواع الدّروس مرارة.. وفي مقدمتها ضرورة التمييز بين خطاب إدارة الأزمات.. وخطاب مواجهة التّحديات.. وكانت الأثمان غالية جداً.. عندما تجاهلنا طاقات أجيال لبنان.. الاستثنائية والخلاّقة.. في كافة المجالات.."
وشدّدت على أن مستقبل لبنان يبدأ من احترام الإنسان، موضحة:
"إنّ مستقبل لبنان.. هو الاستثمار في الإنسان.. الثّروة العميقة والمتجدّدة.. على مرّ الأجيال.. والتي أكّدت قدرتها ونجاحها.. على أرض الوطن وفي دنيا الانتشار.. وإنّ أبسط قواعد الحفاظ.. على هذه الطّاقات الواعدة.. يكون في إحترام عقولهم.. وطاقاتهم وحسن مخاطبتهم.. بما هم عقلاء.. نبهاء.. واعتبارهم شركاء أصيلين.. في صناعة القرار.. وبما هم نصف الحاضر.. وكلّ مستقبل لبنان.."
وأضافت أن يوم انتخاب الرئيس لم يكن حدثًا عابرًا، بل تحوّلًا وطنياً نوعياً:
"إنّ يوم التّاسع من كانون الثاني ٢٠٢٥.. كان أكثر من يوم إنتخاب رئيس للبلاد.. إنّه يوم الانتقال من إدارة الأزمات.. إلى مرحلة استعادة الثقة بالذات الوطنية.. وتعزيز قواعد الانتظام والإستقرار.."
وأكدت أن "خطاب الرئيس العماد جوزاف عون.. هو عهد والتزام ومواجهة صادقة مع الذات.. ومراجعات واستشرافات وتحديد المرارات والتحديات.. التي يعيشها شعب لبنان بعد حرب مدمرة.. وشغور طويل وأعباء ثلاث سنوات تحمّلتها حكومة تصريف الأعمال.."، معتبرة أن "خطاب القسم" يشكّل مقدمة تكاملية مع البيان الوزاري لحكومة الإصلاح والإنقاذ. كما أشارت إلى إطلاق ورشة "صيدا تناقش البيان الوزاري" بالتعاون مع نقيبي الأطباء والمهندسين وشخصيات أكاديمية وإدارية وطلابية على مدى أربعة أسابيع.
وأوضحت السيدة الحريري أن فريق المؤسسة الذي أنجز "قراءات في خطاب القسم" أطلع فخامة الرئيس على المضمون والآليات، الذي بدوره أبدى تشجيعاً وترحيباً، وأثنى على جهود الفريق.
وفي اختيار مكان الفعالية، قالت الحريري:
"أردنا أن يكون لقاؤنا اليوم الجمعة ١٣ حزيران في بيروت العاصمة العصية على القهر والدمار وفي فندق فينيسيا.. الذي أصبح يجسّد أسطورة نهوض طائر الفينيق الجديدة ويعكس ذاكرة بيروت المدينة مع النهوض والتجدد.."
واختتمت حديثها بالقول:
"لبنان اليوم بحاجة إلى قاماته الفكرية والثقافية والسياسية والتربويّة والاقتصادية والقطاعية والاجتماعية والرقمية.. من أجل إطلاق ورشة وطنية.. لإعادة ترتيب أولويات عملية النهوض الوطني.. وإعادة بناء الشّخصية الوطنية الجديدة.. لدى الأجيال الصاعدة.. على قاعدة احترام عقولهم وقدراتهم.. واستعادة ثقتهم.. بوطنهم الحبيب لبنان.."
كما كرّمت السيدة بهية الحريري ممثل فخامة رئيس الجمهورية، وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة، بدرع “طائر الفينيق” الخاص بمنتدى شباب نهوض لبنان تقديراً لحضوره وجهوده الفكرية والوطنية.
وألقى وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة كلمة باسم الرئاسة، أكد فيها:
"شرفني فخامة الرئيس وأسعدني لأن طلب مني أن أمثله بهذا الحفل الذي يعنيه بالدرجة الأولى"، مشدداً على أن "العودة إلى هنا لإعادة قراءة ذلك الخطاب وتفكيكه وفق وسائل دراسة المضمون content and discourse analysis، أمر يشير أولاً إلى أهمية ذلك الخطاب، ويشير ثانياً إلى أن وقعه لم يتوقف يوم إلقائه بل ما زال يتردد في أذهاننا جميعاً".
وأضاف:
"منطقتنا منطقة نزاعات وخلافات وحروب لا تتوقف"، ووجه تحية للسيدة بهية الحريري ومنتدى مؤسسة الحريري، قائلاً: "أشدّ على أيدي السيدة بهية الحريري وعلى المنتدى وأعضاء مؤسسة الحريري لأنهم مرة أخرى تجاهلوا خطورة أوضاع المنطقة ودعونا للبحث في الخطاب القصير".
وأشار إلى أن "جزءًا أساسياً من هويتنا الجماعية أننا قادرون على استيعاب الأخبار السيئة، وقادرون على دراستها والتعلّم منها والتأقلم معها"، مؤكداً أن "معنى هذا الاجتماع هو أن زيادة مناعة لبنان واللبنانيين إزاء أخطار المنطقة هو أول مهامنا".
وشرح أن "ذلك يتم من خلال دولة قادرة، عادلة، تحمي الضعيف، وتعيد إنتاج الثروة، وتتأكد من حسن توزيعها".
ولفت إلى أن كلمة "دولة" تكررت "12 مرة في خطاب القسم، و24 مرة في البيان الوزاري"، موضحاً أن "نحن في حالة هجينة تجاه دولتنا، من ناحية نحن عطشى لمزيد من هيبة الدولة ونفوذها، ومن ناحية أخرى نحن في حالة ريبة من الدولة ومن مشاريعها ومن إمكانياتها". وأضاف: "هذا المزيج المزعج بين العطش للدولة وبين الريبة منها هو ما يطبع سلوكنا".
وشدّد على أن "أهم مهام المرحلة الحالية هو تخفيف الريبة من جهة وازدياد الثقة من جهة أخرى بالدولة، لأن لا بديل لنا عن الدولة"، مبيناً أن "انحسار نفوذ الدولة خلال العقدين أو الثلاثة الماضية لم يؤدِ إلى حدوث فراغ، فالطبيعة تكره الفراغ، وهذا الفراغ ملأته قوى ومصالح منظمة".
وأوضح أن "إعادة الحيوية للدولة لا يتم بمجرد إصدار مرسوم بإعادة نفوذها إلى كل القطاعات والمناطق، إنما يتم بمواجهة القوى غير الدولة التي استولت على ذلك الفراغ وترسّخت فيه دون ذي حق ودون أن تكون مخولة بذلك". وأضاف: "في كل قطاع من حياتنا العامة هناك ما يشبه العصابة المنظمة التي استولت على ذلك القطاع". وأكد أن "إعادة قيام الدولة لا يتم إلا والعزم والتأكيد، الدولة حقوقًا لن نقبل بعد اليوم بأن يتم تجاهلها من أيّ كان".
وأكد أن "خطاب القسم منارة نستضيء بها، وأن البرنامج الحكومي الذي أتشرّف به هو نوع من العمل اليومي السائر باتجاه تنفيذ ذلك البرنامج مستضيء بخطاب القسم". وشدّد على "ضرورة وحدة السلطة التنفيذية في هذا البلد"، واصفاً ذلك بأنه "أمر في غاية الأهمية"، لأن "من الأشكال الأخطر لانحسار وجود الدولة هو تضعضع السلطة التنفيذية".
وأردف: "ليس لدينا ترف السلطة المائعة غير القادرة وغير المؤثرة"، مضيفاً: "نحن لا نهتم بمن يقارننا بغيرنا من دول المنطقة ليقول لنا إن في البلد من يتخذ قرارًا في الساعة الثامنة وينفذه في الساعة التاسعة... هذا أمر صحيح، لكنه هل يعيش في بلد مؤسسات؟ هل تريدون أن نتخلى عن مؤسساتنا؟ عن دستورنا؟ عن قضائنا؟ عن محكمتنا الدستورية؟ عن سلطتنا التنفيذية؟ عن سلطتنا البرلمانية؟ لا".
وختم بالتأكيد على أن "نحن لا نعيش في بلد تسلطي، نحن نعيش في بلد ديمقراطي، ونحن متمسكون بهذه الديمقراطية"، وأن "قراراتنا أحيانًا تبدو كما لو أنها تُستخرج استخراجًا من مؤسساتنا، وهذا علينا أن نعالجه". وأشار إلى أن "نحن بحاجة لقرارات سريعة في ظروف صعبة"، وأنه "علينا أن نجد التوازن الضروري بين احترام الدستور والمؤسسات من جهة، وبين الحاجة الماسّة لاتخاذ القرارات دون إبطاء، لا في دهليز الاستشارية في السلطة التنفيذية، ولا في دهاليز الحياة البرلمانية".
وختم قائلاً: "هذا التوازن بين احترام المؤسسات وبين ضرورة إنتاج القرارات هو التوازن الذي لم نصل إليه بعد بصورة كافية، وعلينا أن نكون واقعيين ونعمل في هذا الاتجاه"، مؤكداً أن "تعهداتنا في خطاب القسم وفي البيان الحكومي ليست حبراً على ورق، بل إنها خطة عمل لن نتوقف عن السير بها حتى تنفيذها بالكامل".
وجاءت هذه الفعالية تلبيةً لدعوة فخامة رئيس الجمهورية لتعزيز الحوار الوطني، وترسيخ الالتزام بالوحدة والاستقرار في لبنان، في ظل مرحلة مفصلية تستدعي تضافر الجهود وتلاقي الإرادات الوطنية. وأكدت مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة من خلال هذه الفعاليات على التزامها الراسخ بدعم الحوار البنّاء والعمل الجاد من أجل التنمية البشرية المستدامة وتعزيز دور الأجيال الشابة كشركاء فاعلين في صياغة مستقبل لبنان.