
بيروت، لبنان (أخبار إنمائية) — عادت النفايات لتتكدّس مجددًا في شوارع المدن والقرى اللبنانية مطلع حزيران، عقب إضراب عمّال شركة "رامكو"، ما أثار موجة من الغضب الشعبي في ظل تنصّل البلديات المستحدثة من مسؤوليتها عن تفاقم الأزمة.
وتواجه البلاد خطر تجدد أزمة النفايات المزمنة عند كل طارئ، في ظل غياب الحلول الجذرية. إذ لا يزال الفرز من المصدر حلمًا بعيد المنال، فيما يغيب الدور الفعّال للبلديات، وتبقى معامل الفرز محدودة الانتشار، والمطامر الشرعية على وشك الامتلاء.
الأزمة التي انفجرت أول مرة عام 2015، مع بلوغ مطمر الناعمة سعته القصوى، دفعت إلى محاولات لتطبيق الفرز من المصدر. إذ وزعت بعض البلديات أكياس نفايات ملوّنة، واعتمدت أساليب جمع علمية. لكن سرعان ما تبيّن أن النفايات تُرمى عشوائيًا دون أي فرز فعلي. ومع مرور الوقت، خفت الزخم الشعبي، بينما تحوّل الفرز لدى بعض الشركات الخاصة إلى مشروع ربحي بالتعاون مع بلديات لتقليل النفايات الصلبة وإعادة تدويرها. نجح البعض في هذه الشراكات، فيما بقيت المبادرات الأخرى محصورة النطاق دون حلول شاملة.
حاليًا، تنضوي 25 شركة ناشئة لبنانية تحت مظلة "اتحاد إدارة تحويل النفايات"، وتعمل في مجالات النفايات العضوية، القابلة للتدوير، النسيجية والإلكترونية. وعلى الرغم من تخصيص صندوق ائتماني بقيمة 10 ملايين دولار لدعم معمل فرز في الكرنتينا، كانت الشركات الناشئة تأمل بالحصول على مليون دولار منها، إلا أنها لا تزال تعتمد على تمويلها الذاتي وسط معارضة من بعض البلديات.
مبادرات خاصة مبتكرة
بدأت شركات لبنانية باستخدام تقنيات جديدة في إدارة النفايات. على سبيل المثال، تقوم شركة "نضيرة تكنولوجي" بتوزيع رموز QR على السكان للصقها على الأكياس المفروزة. عند وصول الأكياس إلى المعمل، يتم فحصها من قبل مراقبين يُقيّمون عملية الفرز عبر تطبيق ذكي، ويمنحون نقاطًا للمستخدمين يمكن استبدالها ببضائع أو خدمات. هذا النظام يحفّز على الفرز السليم ويوفر أرباحًا للمواطنين والبلديات من خلال عمليات التدوير والتسميد.
ورغم جاهزية الأنظمة، لا تزال البلديات تتحجج بعدم توفر التمويل لتطبيقها على نطاق واسع.
منصة "يلا نحولها" تشجّع المواطنين على نقل نفاياتهم المفروزة إلى مراكز محددة مقابل بدل مالي أو نقاط يمكن التبرع بها إلى جمعيات خيرية. وتنتشر المبادرة في 17 مركزًا بمختلف المناطق اللبنانية. وتقوم الشركة بتوزيع 40 إلى 50% من عائدات بيع البلاستيك والنفايات على المشاركين، فيما تُخصص البقية للتكاليف التشغيلية. ويرى الخبراء أن هذه التجربة، رغم محدوديتها، تشكل خطوة مهمة إذا ما انخرطت البلديات فيها بفعالية.
بعض البلديات، مثل عين سعاده، تبنّت هذه النماذج لفترة قبل أن تتوقف. بينما تمكنت بلدات مثل بشمزين ومشمش، بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، من تشغيل معامل فرز خاصة بها، ونجحت في تقليص كمية النفايات بأكثر من 50%.
نموذج بكفيا يحتذى به
اعتمدت بلدية بكفيا نهجًا سبّاقًا، فأزالت مستوعبات النفايات من الشوارع، وبدأت بجمعها من المنازل، وفرزها وإعادة تدويرها. وبدعم من متطوعين ومعدات بسيطة، يعمل معمل B. Clean منذ تسع سنوات على تحويل النفايات العضوية إلى كومبوست، وضغط البلاستيك وبيعه، ونقل العوادم إلى معمل لإنتاج الطاقة. وتمكّنت البلدية من بلوغ صفر نفايات في نطاقها.
ويشير الخبراء إلى أن 65% من النفايات في لبنان عضوية، و25% منها مواد صلبة قابلة للتدوير، والباقي عوادم. كما أن تطبيق نظام فرز بسيط لا يتطلب ميزانيات كبيرة، ويمكن أن يحظى بتفاعل شعبي إذا ما لمس المواطنون جدّية في التنفيذ.
تحديات قائمة وأسئلة بلا أجوبة
لا تعمل حاليًا سوى 3 معامل فرز في البلاد، رغم وجود 21 مصنعًا موزعًا على مناطق عدة. ويُعد معمل الكرنتينا الأساسي خارج الخدمة منذ انفجار مرفأ بيروت، رغم قدرته على معالجة 1100 طن من نفايات بيروت والمتن يوميًا.
في المقابل، تنتشر المكبات العشوائية في الأودية ومجاري الأنهار، وقد أحصيت أكثر من 1000 مكب غير شرعي، بعضها في مناطق طبيعية حساسة.
ولا تزال أسئلة عدّة معلقة: ما مصير مشروع القانون الذي ينص على تحميل الملوّث، سواء كان منزلًا أو مؤسسة، كلفة النفايات التي ينتجها؟ لماذا لا تُعفى البلديات من ديونها المتراكمة لصالح شركة سوكلين كي تتمكن من تخصيص موارد لحل أزماتها؟ بلدية بكفيا، مثلًا، لا تزال تسدد ديونها رغم توقفها عن التعامل مع الشركة منذ 2015.
أين أصبح "الاستراتيجية الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة"؟ وهل تم تعيين مجلس إدارة الهيئة الوطنية لإدارة النفايات كما كان متوقعًا نهاية عهد حكومة الرئيس ميقاتي؟
ورغم محاولات وزارة البيئة المتكررة لوضع خطة شاملة، تبقى معظم الحلول مؤجلة. وفيما يُطرح خيار المحارق كحل أخير، يُجمع الخبراء أن المحرقة يجب أن تُخصص فقط للعوادم التي لا تتجاوز نسبتها 20% من مجمل النفايات، في حين أن 80% منها قابلة للتدوير أو التسميد.
تبقى العيون شاخصة إلى الحكومة الجديدة، لعلّها تضع حدًا لأزمة النفايات المزمنة في لبنان.