
خبر إنمائيّة – في ظل نظام صحي هش يعاني من نقص التمويل والموارد، أطلق لبنان مشروعًا تجريبيًا قد يشكّل نقطة تحوّل في إدارة البيانات الطبية: "البطاقات الصحية الذكية".
ويجري حالياً اختبار المبادرة في عدد من العيادات الحكومية في بيروت، وتهدف إلى رقمنة السجلات الطبية، وتتبع الأدوية، وتسهيل جدولة المواعيد. ورغم أن هذه الخطوة الرقمية تحمل إمكانات كبيرة، إلا أن خبراء يحذّرون من تحديات قد تعرقل نجاحها، خاصة بين الفئات ذات الدخل المحدود والمحرومة رقميًا.
أُطلقت المبادرة في أوائل عام 2025 من قبل وزارة الصحة العامة اللبنانية، بدعم فني من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، وتندرج ضمن استراتيجية أوسع للتحول الرقمي في القطاع الصحي. وتتماشى هذه الجهود مع توصيات منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) بشأن تطوير أنظمة صحية مرنة في الدول الهشة.
وترتبط كل بطاقة صحية ذكية بهوية رقمية وتحتوي على شريحة إلكترونية تُخزن معلومات المريض الديموغرافية، والسجل الطبي، والحساسيات، والوصفات، وحالة التلقيح، وسجل المواعيد. ويستطيع المرضى تقديم البطاقة في المراكز الصحية المشاركة ليتمكن الأطباء من الوصول الفوري إلى المعلومات المُحدثة وتفادي التكرار أو الأخطاء في الرعاية.
وفقًا لوزارة الصحة، تشمل المرحلة التجريبية ست عيادات حكومية في بيروت وجبل لبنان، وتستهدف نحو 5,000 مريض. وتشير النتائج الأولية، التي تمت مشاركتها في اجتماع مع الجهات المانحة في أيار 2025، إلى تحسن في تتبع المواعيد وانخفاض بنسبة 15% في أخطاء صرف الأدوية داخل العيادات المشاركة.
لكن المشروع يواجه عقبات واضحة. أحد أبرزها يتعلق بغياب قانون حماية بيانات فعّال في لبنان، يتماشى مع المعايير الدولية مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) الأوروبية. وحذّرت منظمة SMEX اللبنانية لحقوق البيانات الرقمية في ورقة موقف عام 2024 من أن غياب هذه التشريعات قد يعرّض البيانات الطبية الحساسة لخطر التسريب أو سوء الاستخدام.
كما تبرز مشكلة الفجوة الرقمية. فعدد كبير من المرضى من ذوي الدخل المحدود أو كبار السن لا يملكون هواتف ذكية أو يفتقرون إلى المهارات الرقمية، ما يُثير مخاوف من عدم المساواة في الاستفادة من النظام الجديد.
وأشارت آية قاسم، عاملة صحة مجتمعية في برج حمّود، إلى أهمية الشمولية، قائلة: "يجب أن نضمن ألا تؤدي هذه التكنولوجيا إلى توسيع فجوة الرعاية. بعض المرضى ما زالوا يعتمدون على الوصفات الورقية والتحويلات المكتوبة بخط اليد. لا يمكننا توقع انتقال سلس من دون استثمار حقيقي في الشمول الرقمي".
ورغم هذه التحديات، فإن لبنان ليس وحيدًا في هذا المسار. فقد اعتمدت دول مثل إستونيا والهند ورواندا نماذج مشابهة لأنظمة الهوية الصحية الرقمية، بنتائج متباينة حسب البنية التحتية والثقة العامة ومستوى الحوكمة.
ويأمل المسؤولون اللبنانيون أن يتم ربط هذه البطاقات مستقبلاً بأنظمة الحماية الاجتماعية والتأمين الصحي الوطنية. إلا أن المرحلة الحالية تظل تجريبية ومحدودة النطاق، في وقت يراقب فيه المانحون الدوليون نتائج التجربة لتحديد إمكانية توسيع نطاق التمويل والدعم مستقبلاً.