أخبار إنمائية
أخبار إنمائية

بيروت، لبنان (أخبار إنمائية) — في مناطق لبنان النائية، حيث ندرة المستشفيات وصعوبة الطرق، تعمل الوحدات الطبية المتنقل على تحسين خدمات الرعاية الصحية من خلال استخدام تقنيات حديثة. هذه "العيادات المتنقلة"، التي تُعدّ ضرورية للمجتمعات المهجرة والفقيرة، تعتمد الآن على أدوات رقمية بسيطة لتعزيز الكشف المبكر والاستجابة السريعة لتفشيات الأمراض.

تم إطلاق هذا البرنامج في مطلع عام 2025، في إطار شراكة استراتيجية بين وزارة الصحة العامة اللبنانية ومنظمة أطباء بلا حدود، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى جانب شركاء آخرين. ويهدف المشروع إلى تعزيز أنظمة الإنذار المبكر في المناطق التي تشهد ضعفًا في توفر خدمات الرعاية الصحية.

من خلال تزويد الفرق الطبية بأجهزة لوحية، أصبح بإمكان الأطباء والممرضين تسجيل أعراض المرضى في الوقت الحقيقي، ليتم تحليل هذه البيانات بشكل مستمر لرصد أنماط صحية معينة، مثل ارتفاع حالات الحمى في منطقة محددة أو زيادة انتشار الإسهال بين الأطفال في مناطق أخرى. ويتيح النظام إرسال تنبيهات سريعة للمسؤولين الصحيين، أحيانًا قبل تفاقم الوضع إلى مستويات خطيرة.

يعتمد البرنامج على مقارنة البيانات الجديدة مع سجلات صحية سابقة، إضافة إلى عوامل مناخية محلية، وظروف الصرف الصحي، وتحركات السكان، ما يعزز دقّة التنبؤ والتشخيص المبكر. وقد تم تطوير هذا النظام بالتعاون بين الجامعة الأميركية في بيروت ومركز جونز هوبكنز للصحة الإنسانية، وهو مصمم للعمل بكفاءة حتى في المناطق التي تفتقر إلى اتصال إنترنت مستقر.

وفي أذار الماضي، أكدت منظمة الصحة العالمية مساهمة هذا النظام في الكشف المبكر عن بؤرتين لالتهاب الكبد الوبائي “أ”، بالإضافة إلى تحذير محتمل من مرض الكوليرا في شمال لبنان الريفي، ما مكّن الفرق المحلية من الاستجابة بسرعة عبر إجراء فحوصات للمياه وتنفيذ حملات توعية صحية مكثفة.

غير أن التقنية وحدها لا تفي بالغرض، إذ يتطلب النجاح مشاركة فاعلة من العاملين في القطاع الصحي لتوعية المجتمعات، وتوفير اللقاحات، وتحسين بنية الصرف الصحي. وفي هذا السياق، تتجلى مخاوف بعض السكان من انتهاك خصوصيتهم، لا سيما في المجتمعات ذات المعرفة الرقمية المحدودة، مما يجعل الشفافية وحملات التوعية أولوية لا تقل أهمية عن التقنية نفسها.

ويمثل تمويل البرنامج تحديًا مستمرًا؛ فهو يحظى بدعم من مشروع تعزيز صمود قطاع الصحة في لبنان التابع للبنك الدولي، وكذلك الذراع الإنسانية للاتحاد الأوروبي (ECHO)، غير أن استدامة التمويل وتوسع نطاق المشروع على المستوى الوطني يظل مرتبطًا بقرار الحكومة اللبنانية.

ومع استمرار لبنان في التعافي من سنوات من الأزمات المتلاحقة، يبرز هذا البرنامج كنموذج يُبرز كيف أن التكنولوجيا البسيطة، مدعومة بالثقة والاستجابة الفورية، يمكن أن تُحدث فرقًا جوهريًا في إنقاذ الأرواح وتعزيز الصحة العامة.