بيروت، لبنان (أخبار إنمائية) — على الرغم من تزايد الوعي حول الصحة النفسية في لبنان، لا تزال وصمة العار المرتبطة بها قائمة، وخصوصاً بين الرجال. وبينما تشير تقارير العيادات والمنظمات غير الحكومية إلى ارتفاع في عدد الاستشارات النفسية بعد الأزمات الأخيرة، فإن غالبية من يلجؤون إلى العلاج النفسي هنّ نساء وأطفال. أما الرجال اللبنانيون، فلا يزال حضورهم خجولاً على مقاعد العلاج.

وبحسب تقرير صادر عام 2024 عن البرنامج الوطني للصحة النفسية التابع لوزارة الصحة العامة، لا يشكل الرجال سوى 22% من مستخدمي خدمات الصحة النفسية الخارجية على مستوى البلاد. وتزداد حدة هذا الغياب في المناطق الريفية والمحافظة، حيث تُربط التعبيرات العاطفية غالباً بالضعف.

تلعب التنشئة الاجتماعية دوراً أساسياً في ذلك. فمنذ الصغر، يُربى الفتيان اللبنانيون على "الرجولة" وكبت المشاعر. يُنظر إلى البكاء، أو الاعتراف بالحزن، أو التعبير عن الضيق النفسي على أنه ضعف لا يليق بالرجال، خصوصاً في البيئات الأبوية التقليدية.

دراسة إقليمية أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة "أبعاد" في 2023، أظهرت أن 64% من الرجال اللبنانيين بين 18 و45 عاماً يعتقدون أن "الرجل الحقيقي" يجب أن يحل مشاكله بنفسه دون اللجوء إلى اختصاصيين. هذا الاعتقاد شائع بشكل خاص بين أولئك الذين نشأوا خلال الحرب الأهلية أو في أعقاب عدوان عام 2006، حيث سادت عقلية البقاء والتطبيع مع الصدمات.

ويتقاطع هذا العزوف مع الأزمة الصحية والاقتصادية الأوسع في البلاد. إذ لا تتجاوز ميزانية الصحة النفسية 5% من موازنة الصحة العامة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. وفي حين تقدم منظمات مثل Embrace وIDRAAC وMOSAIC خطوط دعم نفسي واستشارات بأسعار رمزية، فإن خدماتها غالباً ما تفتقر إلى استراتيجيات تستهدف الرجال بشكل مباشر.

في المناطق المتأثرة بالحرب كجنوب لبنان والبقاع، حيث ترتفع نسب البطالة والنزوح والضغط النفسي، تُظهر بيانات العيادات المتنقلة أن النساء والأطفال يشكلون غالبية المترددين على تلك الخدمات. ويبقى الرجال محجوبين خلف جدران ثقافية وجهل بالخدمات المتاحة.

مع ذلك، بدأت مؤشرات التغيير بالظهور. فبعض الفنانين والمؤثرين والرياضيين باتوا يتحدثون علناً عن تجاربهم النفسية. الفنان اللبناني المعروف "الرّاس" تناول في أعماله موضوعات الصدمة والشفاء. كما أطلقت جمعية Embrace حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تهدف إلى كسر الصور النمطية حول الرجولة وتشجيع الرجال على التعبير.

حتى الجيش اللبناني، كمؤسسة يغلب عليها الطابع الذكوري، بدأ عام 2024 بتنظيم جلسات دعم نفسي للعسكريين العائدين من مهام حدودية. وتشير تقارير البرنامج الوطني للصحة النفسية إلى تحسن في مستويات إدارة الضغط والتعاون بين الجنود.

في بلد لا يزال يتعافى من أزمات متراكمة، يبدو أن معالجة الصحة النفسية لدى الرجال ليست فقط مسألة فردية، بل ضرورة مجتمعية ملحّة.