
الأمم المتحدة (أخبار إنمائية) — بمناسبة اليوم العالمي للسكان، الذي يُحتفى به هذا العام يوم الجمعة 11 تموز 2025، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الحكومات إلى الاستثمار في أكبر جيل شبابي في تاريخ البشرية، مُبرزًا دورهم المحوري في بناء عالم أكثر شمولية وعدالة واستدامة.
يرتكز موضوع هذا العام، "تمكين الشباب من تشكيل الأسر التي يطمحون إليها في عالم عادل ومفعم بالأمل"، على التزام مؤتمر الأمم المتحدة الدولي للسكان والتنمية لعام 1994، الذي أكد حق كل فرد في اتخاذ قرارات واعية ومستقلة بشأن حياته ومستقبله.
وفي بيانه الصادر الجمعة، قال غوتيريش: "الشباب في كل بقاع العالم يطالبون بحقوقهم وحرياتهم وفرصهم اللازمة لبناء مستقبل أفضل. علينا أن نستمع إليهم وأن نستثمر في إمكاناتهم."
الاتجاهات العالمية: ذروة السكان وتراجع معدلات الخصوبة
بلغ عدد سكان العالم في عام 2024 نحو 8.2 مليار نسمة، ومن المتوقع أن يصل إلى ذروته عند نحو 10.3 مليار نسمة منتصف ثمانينيات هذا القرن، ثم يشهد انخفاضًا تدريجيًا ليصل إلى نحو 10.2 مليار بحلول نهاية القرن.
تشير توقعات الأمم المتحدة إلى تراجع حاد في معدلات الخصوبة على المستوى العالمي، حيث انخفض متوسط عدد الأطفال لكل امرأة من نحو 4.7 في خمسينيات القرن الماضي إلى نحو 2.2 في الوقت الراهن، مع تباينات إقليمية واضحة.
ويُبرز تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2025، المعنون "أزمة الخصوبة الحقيقية"، أن جوهر الأزمة لا يكمن في انخفاض معدلات الولادة بحد ذاتها، بل في افتقار الأفراد، لا سيما الشباب والنساء، إلى الاستقلالية والدعم اللازمين لاتخاذ قرارات إنجابية حرة وواعية.
الاستقطاب الديموغرافي الإقليمي
تتسم التحولات السكانية العالمية بتباين حاد، حيث تحافظ منطقة أفريقيا جنوب الصحراء على أسرع معدلات نمو سكاني، مع دول مثل نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا التي تسجل معدلات خصوبة عالية تتجاوز خمسة أطفال لكل امرأة.
على النقيض من ذلك، تشهد مناطق شرق آسيا وأوروبا انكماشًا ديموغرافيًا نتيجة انخفاض حاد في معدلات الخصوبة، إذ تحتل كوريا الجنوبية المرتبة الأدنى عالميًا بمعدل خصوبة يبلغ حوالي 0.72 طفلًا لكل امرأة، بينما تواجه اليابان وإيطاليا وروسيا والصين تحديات مماثلة تتعلق بانخفاض عدد السكان.
في الوقت نفسه، تستمر كل من الهند وباكستان وتنزانيا في تحقيق نمو سكاني، حيث باتت الهند الدولة الأكثر سكانًا عالميًا.
وفي الولايات المتحدة، يُسجل نمو سكاني معتدل تُعزى غالبية أسبابه إلى الهجرة، مع استمرار معدلات الخصوبة المحلية دون مستوى الإحلال.
تُبرز هذه الاتجاهات المتباينة الحاجة الملحة إلى تبني سياسات مستهدفة، تركز على الاستثمار في الشباب وتعزيز الصحة الإنجابية في المناطق ذات النمو المرتفع، مع توفير الرعاية للمسنين وتعزيز الهجرة والدعم الاقتصادي في الدول التي تواجه تراجعًا سكانيًا.
تركيز إقليمي: الهند على مفترق طرق
مع تجاوزها الصين من حيث عدد السكان، تخوض الهند مرحلة انتقال ديموغرافي حاسمة تتسم بانخفاض ملحوظ في معدلات الخصوبة، التي انخفضت إلى أقل من طفلين لكل امرأة، بمعدل يقارب 1.9. يدعو الخبراء إلى إعادة توجيه السياسات من التركيز على ضبط الولادات إلى تعزيز تنمية الشباب عبر توسيع نطاق الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل.
كما تشير التقارير إلى منطقة ناشيك التي يشكل فيها الشباب دون سن 24 نحو 40% من السكان، ما يجعلها محورًا محتملاً للاستثمار في تطوير المهارات وتوفير فرص التوظيف.
التكنولوجيا والتحذيرات
أطلق رائد التكنولوجيا إيلون ماسك تحذيرات من أن "انهيار السكان الناتج عن انخفاض معدلات الولادة يشكل تهديدًا أكبر للحضارة من تغير المناخ"، داعيًا إلى تبني سياسات تشجع على إنجاب ثلاثة أطفال لتعويض الأفراد الذين لا ينجبون. من جانبهم، ينتقد محللون هذه الرؤية باعتبارها تبسيطًا مخلًا للواقع الديموغرافي، مشيرين إلى أن توقعات الأمم المتحدة تشير إلى ذروة سكانية تتبعها انخفاضات تدريجية وليس انهيارًا مفاجئًا.
السياسات والصحة
شهد اليوم العالمي للسكان تجديد الدعوات لتوفير وصول شامل إلى خدمات تنظيم الأسرة، ورعاية صحة المراهقين، والدعم الاجتماعي والاقتصادي. وأكدت دول مثل الهند وتايلاند على أهمية تنظيم الأسرة في خفض معدلات الوفيات بين الأمهات والأطفال، بينما تركزت الحملات التوعوية العالمية على ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة بين الشباب وتأثيراتها على الصحة العامة.
وتأسس اليوم العالمي للسكان عام 1989 تحت رعاية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويشكل مناسبة سنوية في 11 تموز للتفكير في كيفية تأثير التحولات الديموغرافية على قضايا التنمية، والمساواة بين الجنسين، والقدرة على مواجهة التغيرات المناخية. واختتم غوتيريش قائلاً: "الأرقام تروي قصة، لكن الحقوق والكرامة يجب أن تكونا ركيزتي استجابتنا."