أخبار إنمائية
أخبار إنمائية

بيروت، لبنان (أخبار إنمائية) — بعد ما يقارب ست سنوات من الأزمة الاقتصادية الخانقة، تبعث الحكومة اللبنانية الجديدة بارقة أمل في استعادة التعافي والنهوض الاقتصادي. تحت قيادة رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ورئيس مجلس الوزراء القاضي نواف سلام، تعهدت الإدارة الحالية بتنفيذ إصلاحات جذرية تُمهّد الطريق لنيل الدعم الدولي، لا سيما عبر صندوق النقد الدولي.

الأزمة الاقتصادية مستمرة ولكن بوادر التعافي تلوح

تتولى وزارة الاقتصاد زمام المبادرة بقيادة الدكتور عامر بساط، الذي أطلق استراتيجية شاملة لمعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه لبنان. وفي تصريح لـ"الوكالة الوطنية للإعلام"، أوضح بساط: "لا يمكن القول إن الاقتصاد اللبناني في وضع سليم انه ليس حيث يجب أن يكون. نحن لا نجمّل الواقع، الاقتصاد لا يزال يعاني أزمة عميقة، وهيكليّة، أثّرت على كل بيت وكل قطاع، من تآكل القدرة الشرائية إلى تراجع الإنتاج، إلى أزمة الودائع. الحقيقة أننا لا زلنا في خضم الأزمة، ولسنا بعد في مرحلة التعافي الفعلي".

ورغم ثقل الأزمة، أبدى بساط تفاؤلاً حذراً، قائلاً:
"للمرة الأولى منذ أعوام، هناك امور تشير الى ان الحكومة تتعامل مع الأزمة الاقتصادية بشكل جدي. وأظن ان اللبنانيين والمجتمع الدولي، بدأوا ينظرون الينا كفريق يعمل بجدّ ويسعى بصدق لتغيير المسار".

التحديات الراهنة ووحدة الحكومة

وأقر الوزير بالتحديات العميقة التي تواجهها الحكومة، ومنها البطء الإداري وتراجع ثقة الجمهور بالسياسة العامة، لكنه أكد على وحدة الفريق الحكومي وانصياعه لرسالة العمل الجاد. وأكد أن هناك تنسيقاً متزايداً بين الوزارات، حيث تقود وزارة الاقتصاد إعداد وثيقة رؤية اقتصادية متوسطة المدى تمتد حتى عام 2035، تسعى لبناء مقاربة وطنية متكاملة تجمع بين الجانب الفني والواقعي السياسي.

الأولويات الإصلاحية الأساسية

ويرتكز برنامج وزارة الاقتصاد على عدد من المحاور الأساسية، بدءاً من حماية المستهلك عبر تشديد الرقابة على الأسواق وضبط الأسعار، إلى إقرار وتطبيق قانون المنافسة الذي يهدف لمنع الاحتكار وضمان تسعير عادل، مروراً بدعم القطاع الخاص عبر تحسين بيئة الأعمال، وتفعيل نظام "النافذة الواحدة" للمستثمرين، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

كما تشمل الأولويات إصلاح قطاع التأمين، وترميم المخازن الحبوبية لضمان الأمن الغذائي، وإعادة إحياء معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس كمنصة اقتصادية وسياحية.

مفاوضات مع صندوق النقد الدولي تركز على الأولويات الوطنية

حول مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي، أكد بساط على ضرورة أن يعكس أي اتفاق أولويات لبنان الوطنية، موضحاً:
"نؤمن أن أي برنامج مع صندوق النقد الدولي يجب أن يعكس أولًا وأخيرًا أولوياتنا الوطنية، لا أن يُفرض علينا من الخارج. نحن بحاجة الى هذا الاتفاق لأننا بحاجة إلى استعادة المصداقية التي فقدتها الدولة اللبنانية في الأعوام الماضية، لكن هذا سيكون برنامجنا نحن، نحدّد مضمونه بما يتوافق مع مصالحنا، ونرفض إدخال أي بند لا يصب في مصلحة لبنان واقتصاده وشعبه".

وأشار إلى أن العملية التفاوضية معقدة وتتطلب إصلاحات سياسية وتشريعية واقتصادية، مؤكداً أن الحكومة تعمل على بناء أرضية صلبة تمهّد للجولات المقبلة من النقاشات.

التضخم وتحديات هيكلية عميقة

حول ارتفاع الأسعار، قال بساط إن الأزمة تعود إلى عوامل هيكلية متجذرة، إذ يعتمد الاقتصاد اللبناني بشكل كبير على الاستيراد، فيما ترتفع كلفة الإنتاج بشكل ملحوظ، خصوصاً أسعار الكهرباء التي تصل إلى نحو 30 سنتاً للكيلوواط/ساعة مقارنة بخمسة سنتات في مصر، ما ينعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات. وأضاف:
"نحن نعمل على ضبط الأسواق قدر الإمكان، ضمن إمكانات محدودة جدًا". وأشار إلى تكثيف الجولات الرقابية ورفع وتيرة الضبط، مع إعداد مشروع قانون جديد لزيادة الغرامات على المخالفين، لأن الغرامات الحالية لا تردع المخالفين.

آفاق التعافي الاقتصادي

أعرب الوزير عن ثقته بإمكانية مضاعفة حجم الاقتصاد اللبناني خلال العقد المقبل، واستعادة مكانة لبنان الطبيعية في المنطقة، مشدداً على أن التعافي لن يحدث بين ليلة وضحاها، بل يتطلب صبراً واستمرارية في الإصلاحات. وقال:
"إذا سرنا في المسار الصحيح، وواصلنا تطبيق الإصلاحات المطلوبة بكل جدية، فأنا على قناعة بأننا قادرون على مضاعفة حجم الاقتصاد اللبناني خلال العقد المقبل، وزيادة تنافسيته، واسترجاع موقعه الطبيعي في المنطقة، وهذه ليست وعودًا عشوائية، بل أرقام تستند إلى دراسات واقعية وإلى ما بدأنا نلمسه من تجاوب محلي ودولي".


كما أكد أن المرحلة الحالية تشكل فرصة يجب الاستفادة منها بفضل الانفتاح الدولي والإقليمي:
"أننا اليوم على المسار الصحيح، ونعمل بجهد على تحويل هذه اللحظة إلى فرصة، والاستفادة من نافذة الانفتاح الدولي والإقليمي التي فُتحت أمام لبنان".

ملف أموال المودعين

أشار بساط إلى أن معالجة ملف أموال المودعين يدار بشكل رئيسي من وزارة المالية ومصرف لبنان، مؤكداً أن وزارة الاقتصاد تلعب دور التنسيق ضمن الفريق الحكومي، وقال:
"أولًا، إقرار قانون رفع السرية المصرفية، وقد تحقق ذلك وهو خطوة أساسية باتجاه الشفافية والمحاسبة. ثانيًا، إقرار إطار قانوني وتنظيمي جديد، يضمن عدم تكرار هذه الكارثة في المستقبل، عبر تحديث القوانين المالية، وضبط عمل المصارف، وتعزيز صلاحيات الجهات الرقابية . هذه المرحلة قد تكون تقنية ومملة في تفاصيلها، لكنها ضرورية وأساسية لبناء الثقة مجددًا. ثالثا، وهي الخطوة الأهم، وضع تصور عادل وواضح للأزمة الراهنة والذي يهدف إلى إيجاد حل عادل لأزمة المودعين وإعادة التعافي للقطاع المصرفي، وهذا التصور ما زال قيد النقاش الحذر، لأنه يتطلب توازنًا دقيقًا بين حقوق الناس وإمكانات الدولة والقطاع المصرفي".

اختتم بساط تصريحه مؤكداً أن الأزمة حتمًا ستنتهي، وأن الحكومة الجديدة ملتزمة بمبدأ الشفافية التي بدأ اللبنانيون يلمسون نتائجها تدريجياً، رغم البطء:
"الأزمة لا بد أن تنتهي، نستبشر خيرًا بالعهد الجديد وبالشفافية الموعودة التي بدأ اللبنانيون يلمسون نتائجها ولو ببطء".