
بيروت، لبنان (أخبار إنمائية) – بدأت مؤشرات التعافي تلوح في الأفق في لبنان خلال النصف الأول من عام 2025، بعد سنوات من الجمود الاقتصادي والانهيار المالي. إلا أن تقريراً جديداً صادر عن بنك عوده يحذّر من أن هذا التحسّن الظرفي لن يتحوّل إلى نمو مستدام ما لم تُعالج الاختلالات الهيكلية من خلال إصلاحات مؤسسية ومالية جذرية.
التقرير المعنون "ثلاثة شروط لإعادة بناء الثقة واستعادة مستويات ما قبل الأزمة" يشير إلى أن التحوّل الحالي مدفوع بشكل رئيسي بتطوّرات سياسية مفصلية، أبرزها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تشكيل حكومة كفوءة، وإنجاز التعيينات الإدارية التي طال انتظارها في مفاصل الدولة.
وأوضح التقرير: "هذه النقاط المفصلية دفعت الأسواق إلى الاستجابة الإيجابية، حيث شهدت مؤشرات الثقة والطلب تحسّناً ملموساً"، لكنه شدّد في الوقت نفسه على أن هذه المؤشرات لا تزال هشّة وتفتقر إلى قاعدة إصلاحية متينة يمكن البناء عليها.
وارتفعت الواردات بنسبة 16% خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام، ما يعكس زيادة في الطلب المحلي على السلع الاستهلاكية والاستثمارية. وبعد احتساب أثر التضخم المستورد، بلغ النمو الفعلي 9.3%.
في موازاة ذلك، نجح مصرف لبنان في تعزيز احتياطاته بالعملات الأجنبية بمقدار 1.2 مليار دولار منذ مطلع العام، رغم خسائر قُدّرت بنحو 500 مليون دولار خلال الحرب الأخيرة. وبلغت الاحتياطات 11.3 مليار دولار نهاية حزيران – وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2022.
أما على صعيد الأسواق المالية، فقد شهدت سندات اليوروبوندز اللبنانية تحسناً لافتاً، إذ ارتفعت من 6 سنتات إلى 18 سنتاً للدولار الواحد، مدفوعة بتوقّعات المستثمرين بأن الانفراج السياسي قد يمهّد الطريق أمام تنفيذ الإصلاحات المنتظرة وإعادة هيكلة الدين العام.
وفي القطاع المصرفي، ارتفعت الودائع الطازجة (Fresh Money) من 3.2 مليار دولار في بداية العام إلى 4 مليارات دولار في نهاية حزيران، ما يشير إلى بعض التعافي في الثقة. غير أن التقرير شدد على أن هذا التطوّر لا يكفي، طالما أن القوانين الناظمة لإعادة هيكلة القطاع ومعالجة الفجوة المالية لا تزال غائبة.
التنمية رهن ثلاث خطوات حاسمة
ويحدّد بنك عوده ثلاثة شروط أساسية للانتقال من الجمود إلى الإصلاح:
ترسيخ الاستقرار واستعادة سيادة الدولة
إن تثبيت وقف إطلاق النار، واستعادة هيبة الجيش، وضبط السلاح بيد الدولة، تُعدّ شروطاً أولية لا غنى عنها لفتح مسارات إعادة الإعمار والحصول على دعم دولي موثوق.إصلاح القطاع المصرفي كبوابة للانتعاش
يدعو التقرير إلى إقرار قانوني إعادة هيكلة المصارف ومعالجة الفجوة المالية قبل أيار 2026، وهو موعد الانتخابات النيابية المقبلة. بعد هذا التاريخ، تدخل الحكومة في مرحلة تصريف أعمال تفقد فيها قدرتها على تنفيذ إصلاحات جوهرية. ويُحذّر التقرير من أن انخفاض السيولة يهدّد استمرارية القطاع بأكمله.اتفاق مع صندوق النقد الدولي لاستعادة المصداقية الدولية
يربط التقرير أي دعم دولي فعّال بإبرام اتفاق رسمي مع صندوق النقد الدولي. ويقول: "الوعود السابقة بالمساعدة لم تُترجم عملياً بسبب غياب جهة رقابية موثوقة تشرف على تنفيذ الإصلاحات، وهذه الجهة لا يمكن أن تكون سوى صندوق النقد".
ويرى التقرير أن "مؤشرات التحسّن الظرفي ليست سوى فرصة ضيّقة أمام لبنان لإطلاق مسار الإصلاح الحقيقي". فبدون إرادة سياسية، وإصلاحات مؤسسية، ومناخ ثقة شامل، قد لا تتمكن البلاد من استعادة مستويات الدخل والنمو التي كانت سائدة قبل أزمة 2019.
لكن رغم التحديات، يعتبر بنك عوده أن تطوّرات عام 2025 يمكن أن تشكّل مدخلاً لمرحلة جديدة، شرط أن يتم استثمار هذا الزخم في إحداث تغييرات بنيوية تُعيد لبنان إلى خارطة التنمية المستدامة.