
بيروت، لبنان (أخبار إنمائية) — في ظل الأزمات الاقتصادية والبيئية التي يمر بها لبنان، برزت مبادرة "غرسة خير" عام 2021 كمشروع شبابي مجتمعي يهدف إلى تعزيز الزراعة المنزلية المستدامة ودعم الأسر اللبنانية في زراعة محاصيلها الغذائية محليًا باستخدام أساليب عضوية وصديقة للبيئة.
انطلق المشروع عام 2021 على يد ثلاثة إخوة فور انتهاء أزمة كورونا، لا سيما مع عودة الناس إلى أراضيهم الزراعية. ومن هنا وُلدت الفكرة: توفير سلّة زراعية متكاملة تُقدم للعائلات بسعر رمزي، تمكينًا لهم من الزراعة وتحقيق اكتفاء ذاتي بسيط داخل المنزل. قال إسكندر عماد، أحد المؤسسين، في حديث مع "إنمائية":
"كان هدفنا تشجيع الناس على زراعة الخضروات الأساسية مثل الطماطم، الخيار، والكوسة في منازلهم، ليتمكنوا من الحصول على طعام عضوي بتكاليف أقل، خاصة في ظل الجائحة التي أثرت على توفر المواد الغذائية."
ومع ذلك، كان أكبر تحدٍ واجه المبادرة هو نقص البذور المحلية. إذ يستورد لبنان نحو 80% من بذوره، مما يجعل الأمن الغذائي هشًا أمام أي أزمة عالمية أو اقتصادية. وأوضح عماد:
"تخيلوا لو تعرض لبنان لحصار أو توقفت التجارة العالمية، من أين ستأتي الأسر ببذورها؟ معظم بذورنا ليست لبنانية الأصل."
لمواجهة هذا التحدي، أنشأت "غرسة خير" بنك بذور وطني يجمع ويحفظ البذور المحلية القديمة التي كانت تستخدمها الأجيال السابقة، ويجددها سنويًا لضمان أمن غذائي حقيقي. وأضاف عماد:
"البذور المحلية يمكن حفظها وزراعتها مجددًا كل عام، على عكس البذور المهجنة المستوردة التي لا يمكن إعادة زراعتها."
يدير بنك البذور شبكة تضم 248 متطوعًا موزعين في مختلف مناطق لبنان، يعملون على جمع وتجديد وتوزيع البذور للأسر والمزارعين الراغبين في الزراعة العضوية. ومنذ انطلاق المبادرة، تم توزيع أكثر من 30 ألف سلّة زراعية في منطقة جبل لبنان، وتعمل المبادرة على التوسع لتشمل كافة أنحاء البلاد، بالإضافة إلى التواصل مع اللبنانيين المغتربين لنقل هذا الإرث الزراعي إليهم.
تتعاون المبادرة مع نحو 48 مزارعًا يزرعون ويجددون البذور المحلية. وأشار عماد إلى أن:
"إنتاج البذور المحلية يتطلب تكلفة أعلى، لكن أرباح المزارعين تكون أفضل مقارنة بالبذور المستوردة." كما توزع "غرسة خير" حوالي مليون سلّة زراعية سنويًا، وتحافظ على بنك بذور يضم 40 أصلًا جينيًا يستفيد منه الباحثون والطلاب من خلال ورش عمل ودورات تدريبية.
بدأ دعم المبادرة من تبرعات الأفراد والمغتربين، ثم توسع ليشمل شراكات مع حضانات ومؤسسات ناشئة تدعم المشاريع البيئية والزراعية. وقال عماد:
"يهدف المشروع إلى زيادة الرقعة الزراعية الوطنية بأسعار رمزية، ودعم الأسر والمزارعين معًا."
يؤكد فريق "غرسة خير" على أهمية رفع الوعي الزراعي عبر برامج تدريبية نظرية وعملية تستهدف الطلاب والكشافة والبلديات لتعزيز المحافظة على البذور وتجديدها.
تمتد المبادرة أيضًا إلى البعد الاجتماعي والإنساني، من خلال تنظيم فعاليات مثل حملة "السلام على اليقطين"، التي تجمع المحاصيل وتحولها إلى وجبات صحية توزع على دور الأيتام والمسنين والمعوقين، مما يعكس روح التكافل والتضامن المجتمعي.
وبالنظر إلى المستقبل، قال عماد إن أكبر تحدٍ هو الحفاظ على تجديد البذور:
"لا يمكننا الاحتفاظ بالأصل الجيني للبذور أكثر من سنتين دون تجديد؛ بل يجب تجديده سنويًا بالتعاون مع المجتمع المحلي."
وختم بالقول إن "غرسة خير" تهدف إلى دمج ثقافة الزراعة المنزلية كأسلوب حياة في المجتمع اللبناني، لتعزيز الأمن الغذائي الوطني، ودعم البيئة، وخلق فرص اقتصادية صغيرة للأسر.