أخبار إنمائية
أخبار إنمائية

كولوني، سويسرا (أخبار إنمائية) — أظهر تقرير جديد صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي وشركة كيرني أن قطاع السياحة العالمي يشهد طفرة كبيرة، حيث من المتوقع أن يسهم بـ16 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2034، ويدعم ملايين فرص العمل حول العالم. ومع تصاعد أعداد الزوار في الوجهات السياحية الرئيسية، تتزايد المخاوف بشأن الاكتظاظ وتأثيرات السياحة السلبية على البيئة، مما يفرض على القطاع إعادة النظر في استراتيجيات إدارة النمو بشكل أكثر فاعلية واستدامة.

ويؤكد الخبراء أن مستقبل السياحة يعتمد على تبني استراتيجيات ذكية تحقق توازناً دقيقاً بين متطلبات الزوار واحتياجات المجتمعات المحلية والحفاظ على البيئة، بدلاً من الاقتصار على محاولات تقليص حركة السفر.

وجاء في التقرير الموسوم السياحة والسفر في نقطة تحوّل: مبادئ للنمو التحويلي أن القطاع يواجه اليوم منعطفًا حاسمًا يتطلب تغييراً جذرياً في طريقة التعامل مع تحدياته.

السعي نحو توازن مستدام في قطاع السياحة

قد تؤدي الإدارة غير الحكيمة للسياحة إلى استنزاف الموارد، وتدهور البنية التحتية، وإلحاق الضرر بالمجتمعات المحلية. غير أن إلقاء اللوم على النمو السياحي فقط يتجاهل الأسباب الجوهرية وراء هذه التحديات.

ويؤكد التقرير على ضرورة تصميم قطاع السياحة بحيث يلبي احتياجات كل من الزوار والسكان المحليين. إذ يشير إلى أن "الأمر لا يتعلق بتقليص السفر، بل بتشكيله بما يعود بالنفع على الجميع". ومع ارتفاع نسب الزوار مقارنة بالسكان في العديد من الوجهات، تصبح إدارة هذه الضغوطات أكثر إلحاحاً.

تكمن الحلول في إعادة توزيع تدفقات السياح، وتوفير تجارب متنوعة، وتشجيع السياحة في المناطق الأقل زيارة. وعند تطبيقها بشكل فعّال، يمكن للسياحة أن تكون محركًا قويًا للتنمية المحلية، وجذب الاستثمارات، وتعزيز التبادل الثقافي، مع الالتزام بأهداف الاستدامة ومتطلبات المجتمعات. ويستعرض التقرير نماذج عالمية ناجحة في تبني هذه الأساليب.

التخطيط الاستراتيجي على المدى الطويل يجني ثماره

بعد عقود من الصراعات، وضعت رواندا قبل نحو عشرين عاماً قطاع السياحة كأحد الركائز الأساسية لتنميتها الاقتصادية، ليصل اليوم إلى مساهمة تقارب 10% من الناتج المحلي الإجمالي.

تعتبر السياحة البيئية، مثل رحلات تتبع الغوريلا في منتزه البراكين الوطني، من أهم عوامل الجذب. وفي عام 2014، وسعت رواندا نطاق سياحتها لتشمل قطاع الاجتماعات والحوافز والمؤتمرات والمعارض (MICE)، مستفيدةً من فرص السوق المتنامية، كما أصبحت وجهة مميزة للفعاليات الحياتية والحفلات الموسيقية.

ويُظهر تقرير مجلس التنمية الرواندي لعام 2024 أن قطاع MICE حقق إيرادات بلغت 84.8 مليون دولار من خلال استضافة 115 فعالية بارزة حضرها أكثر من 52,000 مندوب.

تحقيق النمو الشامل في المكسيك

تشكل السياحة نسبة 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي للمكسيك، وتوفر ملايين فرص العمل. إلا أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تشير إلى أن القطاع لم يستغل بعد كامل إمكاناته لتحقيق نمو شامل ومستدام.

فعلى سبيل المثال، تستقطب منطقة بارانكاس ديل كوبري السياح لاستكشاف أخاديدها الواسعة، لكن السكان الأصليين من قبيلة الرارارومي لم يكونوا مشاركين بشكل فعّال في قطاع السياحة هناك. ومع ذلك، تغير الوضع بفضل مشروع تجارب رارارومي، الذي يقدم رحلات طبيعية وورش عمل ثقافية.

وقد نجح هذا المشروع، بدعم من رواد أعمال وشركاء إقليميين، في تحقيق توازن بين النمو واحتياجات المجتمع المحلي، مع إعادة استثمار العائدات في مجالات الرعاية الصحية والتعليم، كما وفر فرص عمل لأكثر من 100 عائلة.

مشاركة المجتمع المحلي في أتلانتا

يضم ملعب مرسيدس بنز في أتلانتا، الذي افتتح عام 2017، أكثر من 71,000 مقعد ويستضيف مباريات الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية، بالإضافة إلى مؤتمرات وفعاليات كبرى تجذب نحو 3 ملايين زائر سنويًا. ولدى افتتاحه، أثار المشروع قلق السكان المحليين في المناطق المحيطة التي كانت تعاني من تهميش وأوضاع أمنية صعبة.

تم التعامل مع هذه المخاوف عبر إشراك المجتمع في ورش عمل حول مشاريع تنموية مثل الحدائق المقاومة للفيضانات والفنون العامة، كما تم تدريب أكثر من 700 شخص من السكان المحليين لتأهيلهم للعمل في المنشأة، مع توظيف أكثر من 150 منهم.

دعم الشركات الصغيرة في سان دييغو

في مدينة سان دييغو، حيث يدر قطاع السياحة أكثر من 14.3 مليار دولار سنوياً، ساعد برنامج تسريع السياحة على دعم الشركات الصغيرة خلال التعافي من جائحة كورونا.

يقدم البرنامج تدريبًا لسنوات في التسويق والعلاقات العامة والتواصل للشركات المحلية المتنوعة، حيث شملت المبادرة 30 شركة خلال ثلاث سنوات، مع تقارير عن زيادة الإيرادات وتوسيع فرص العمل.

التحديات والفرص السياحية في لبنان

يواجه لبنان تحديات مماثلة لتلك التي أبرزها التقرير. إذ يعاني عدد من الوجهات السياحية الشهيرة مثل بيروت، جبيل، والمناطق الساحلية في جونية من مشاكل الاكتظاظ والضغوط البيئية.

في المقابل، لا تزال مناطق أخرى مثل سهل البقاع والجبال الشمالية تعاني من قلة الزوار، مع إمكانات كبيرة للاستفادة من السياحة. ومن خلال تبني استراتيجيات إدارة أكثر ذكاءً تتوازن بين طلبات السياح واحتياجات المجتمعات المحلية والحفاظ على البيئة، يمكن للبنان أن يوزع فوائد السياحة بشكل أكثر عدالة، ويدعم التنمية المستدامة، ويحافظ على تراثه الثقافي والطبيعي الغني.