أخبار إنمائية
أخبار إنمائية

لندن، المملكة المتحدة (أخبار إنمائية) — طوّر فريق من الباحثين أداةً متقدّمة في الذكاء الاصطناعي تحمل اسم "إينياس" (Aeneas)، يُرتقب أن تُحدث تحولًا نوعيًا في دراسة النقوش الرومانية القديمة، من خلال قدرتها على ترميم النصوص التالفة، وتحديد أطرها الزمنية والجغرافية بدقّة تفوق الإمكانات البشرية التقليدية.

وبخلاف التجارب السابقة التي استخدمت الذكاء الاصطناعي في استعادة محتويات لفائف متفحمة من هيركولانيوم، تتميّز "إينياس" بقدرتها على تحليل نقوش حجرية محفورة على الآثار والأواني اليومية، والتي غالبًا ما تتعرّض لعوامل التعرية والتلف الزمني، ما يخلّف فجوات نصية وتعقيدات تأويلية أمام الباحثين.

وقالت الدكتورة ثيا سومرشيلد، الباحثة في جامعة نوتنغهام والمشاركة في قيادة المشروع:
"فكّ رموز النقوش القديمة يُشبه حلّ أحجية ضخمة تتألف من عشرات آلاف القطع، 90% منها مفقود. هذه النصوص تمثّل شهادات مباشرة على الحياة والسياسة والدين في العصور القديمة، لكنها هشّة ومتآكلة بطبيعتها."

لطالما اعتمد المؤرخون على حدسهم وخبراتهم في ملء الفراغات النصية، مستندين إلى ما يُعرف بـ"النصوص الموازية"—أي نصوص مشابهة في الصياغة والأسلوب والسياق الثقافي. غير أن "إينياس" يُسرّع هذا المسار ويُوسّعه بصورة غير مسبوقة، عبر قاعدة بيانات تضم أكثر من 176 ألف نقش روماني، وتحليلها آنيًا لاستنتاج الصيغ الأكثر احتمالًا لملء الثغرات.

ويؤكد الدكتور يانيس أسائل، الباحث في "غوغل ديب مايند" والمشارك في تطوير الأداة، أن دور الذكاء الاصطناعي هنا لا يقوم على الاستبدال، بل على الإسناد:
"ما لا يمكن للمؤرخ إنجازه في ثوانٍ عبر آلاف النقوش، بات ممكنًا بفضل الذكاء الاصطناعي، الذي يعمل كمساعد معرفي ذكي، يوسّع نطاق الرؤية ولا يُقصي الدور البشري."

واختُبرت الأداة على نصّ شهير من الحقبة الإمبراطورية في العاصمة التركية أنقرة. وقد تمكّنت "إينياس" من تحديد إطارين زمنيين مرجّحين، أولهما بين 10 و20 ميلادية، وهو ما يتوافق مع تقديرات كبار المؤرخين.

وفي تجربة شملت 23 باحثًا متخصصًا، توصّل الفريق إلى أن الجمع بين الإنسان والآلة منح نتائج أكثر دقة من كلٍّ منهما على حدة. كما أشار بعض المؤرخين إلى أن "إينياس" كشف عن أنماط موازية لم تكن قد استُدلّت مسبقًا عبر الطرق التقليدية.

ومع ذلك، يحذّر الباحثون من مغبّة المبالغة في التعويل على هذه التقنيات، إذ يقول الدكتور أسائل:
"لا أحد يتوقّع أن تكون الأداة معصومة من الخطأ. الذكاء الاصطناعي هنا ليس بديلًا، بل دعامة للتمييز البشري، الذي يبقى الفيصل في التقييم والتحليل."

أما المؤرخة البريطانية البارزة، البروفيسورة ماري بيرد من جامعة كامبريدج، فقد وصفت هذا التطور بأنه "تحوّلي"، قائلة:
"لقد اعتدنا أن نبني المعرفة التاريخية على الذاكرة البشرية والحدس المدعوم بجهود مضنية. أما الآن، فإن أدوات كالتي بين أيدينا تفتح آفاقًا معرفية لم نكن نعتقد أنها ممكنة."