
نيويورك، الولايات المتحدة (أخبار إنمائية) — في ظل التطور المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، بدأت بعضٌ من أكبر وأقوى شركات التكنولوجيا في العالم، على الرغم من أرباحها الهائلة، في تقليص أعداد موظفيها، في خطوة تهدف إلى إعادة تشكيل عملياتها استعداداً لمستقبل باتت الأتمتة فيه واقعاً لا مفر منه.
تُعد كل من "مايكروسوفت" و"ميتا" من أبرز الشركات التي أعلنت عن تسريحات وظيفية هذا العام، رغم أدائها المالي القوي. وتعكس هذه الخطوات سعياً حثيثاً لإعادة مواءمة القوى العاملة مع المشهد الاقتصادي المتغيّر بفعل التحول السريع نحو الذكاء الاصطناعي.
وقد علّق الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، على هذه الإجراءات في مذكرة داخلية وُجّهت للموظفين الأسبوع الماضي، حيث أقرّ بالتناقض القائم بين تحقيق الأرباح واتخاذ قرارات صعبة كتسريح الموظفين.
وقال ناديلا: "بكل المعايير الموضوعية، مايكروسوفت تحقق ازدهاراً كبيراً—أداؤنا في السوق، وموقعنا الاستراتيجي، ونمونا، كلها مؤشرات تصاعدية." وأضاف: "ومع ذلك، قمنا بتسريحات وظيفية."
ووصف ناديلا الذكاء الاصطناعي بأنه تحوّل جذري في عالم الحوسبة، يفرض على الشركات إعادة التفكير في نماذجها وأدواتها. وأكد أن التأقلم مع هذا التحول يتطلب عملية دائمة من "التعلّم وإلغاء التعلّم" لمواكبة احتياجات العملاء المتغيرة.
وقال: "نجمنا الهادي هو الوصول إلى منتج ومنصة متكاملة في عصر الذكاء الاصطناعي."
الذكاء الاصطناعي يتوسع في تأثيره
إن إدماج أدوات الذكاء الاصطناعي في بيئات العمل يثير حالة من القلق المتزايد، خصوصاً لدى العاملين في المهن المعرفية. ووفقاً لدراسة جديدة أجرتها "مايكروسوفت ريسيرش"، فإن هذه المخاوف قد تكون في محلّها.
فقد حلّلت الدراسة تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي على أنواع مختلفة من الوظائف، وخلصت إلى أن ما يقرب من 40٪ من الأميركيين يستخدمون هذه التقنية بالفعل. وبيّنت الدراسة أن معدل التبني يتفوق على وتيرة انتشار الحاسوب الشخصي والإنترنت في بداياتهما.
وقام فريق البحث بقياس مدى قابلية المهام الوظيفية للأتمتة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وتوصل إلى أن الوظائف التي تعتمد على التواصل ومعالجة المعلومات—مثل المبيعات، والدعم الإداري، والمجالات التقنية—هي الأكثر عرضة للتأثير.
ومن بين أكثر الوظائف تأثراً: المترجمون، والمؤرخون، وموظفو خدمات السفر، وممثلو المبيعات، والكتّاب، وموظفو خدمة العملاء، ومبرمجو آلات التصنيع.
أما الوظائف التي تتطلب جهداً يدوياً أو بدنياً—مثل مساعدي التمريض، وفنيي سحب الدم، وعمال إزالة المواد الخطرة، والدهّانين، ومحضري الجثث—فقد اعتُبرت أقل عرضة للتغيير. إلا أن الباحثين حذروا من أن التقدم السريع في مجال الروبوتات قد يطال هذه المهن في المستقبل القريب.
مستقبل غير واضح للعمال
ورغم أن الدراسة لم تصل إلى حد التنبؤ بموجات تسريح جماعية، فإنها رجّحت أن تشهد بعض القطاعات—لا سيما تلك المعتمدة على اللغة والتواصل وخدمة العملاء—تغييرات كبيرة، قد تؤدي إلى فقدان وظائف أو إعادة تعريفها.
وقد دعا عدد من قادة الصناعة إلى التكيّف مع هذه المرحلة. حيث صرّح الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا"، جنسن هوانغ، بأن الذكاء الاصطناعي سيُحدث تحولاً شاملاً في جميع المهن تقريباً.
وقال هوانغ: "سيتم تعزيز قدرات الجميع من خلال الذكاء الاصطناعي." وأضاف: "بعض الوظائف ستصبح من الماضي، لكن وظائف جديدة ستنشأ. ما نعرفه على وجه اليقين هو أنه إذا لم تستخدم الذكاء الاصطناعي، فستخسر وظيفتك لمن يستخدمه."
التكيّف مع التغيير
الرسالة التي تبعث بها كبرى شركات التكنولوجيا واضحة: الذكاء الاصطناعي ليس مجرد موجة عابرة، بل قوة تحولية تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي. ومع سعي الشركات إلى تسخير هذه التقنية لصالحها، بات لزاماً على العاملين مواكبة هذا التحول أو مواجهة خطر التراجع والبطالة.




