أخبار إنمائية
أخبار إنمائية

واشنطن، الولايات المتحدة (أخبار إنمائية) — فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعريفات جمركية جديدة وشاملة على عشرات الشركاء التجاريين، ما تسبب في اضطرابات بأسواق المال العالمية وأثار قلق المنتجين الأوروبيين الذين يواجهون أصلاً ضغوطاً متزايدة من ارتفاع التكاليف.

التعرفة الجمركية الجديدة، التي أُقرت بموجب صلاحيات طارئة، تشمل فرض ضرائب استيراد تتراوح بين 10% و50% على صادرات من 69 دولة. وستخضع معظم السلع الأوروبية لتعرفات بنسبة 15% عند دخولها السوق الأميركية، في أكبر ارتفاع للقيود التجارية منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

وقال أندرو ويلسون، نائب الأمين العام لغرفة التجارة الدولية: "بدأت الشركات تدرك أننا أمام معدلات تعريفات غير مسبوقة تاريخياً... تعقيد التعامل التجاري مع الولايات المتحدة وصل إلى مستويات لم يتخيلها أحد من قبل."

تقول الإدارة الأميركية إن هذه الخطوة تهدف إلى تصحيح الخلل في الميزان التجاري، ودعم قطاع الصناعة الوطني، وتعزيز الأمن القومي. إلا أن الأسواق العالمية سرعان ما تفاعلت سلباً، إذ سجلت الأسواق الآسيوية أسوأ أداء لها منذ أبريل، وانخفض مؤشر STOXX 600 الأوروبي بنسبة تقارب 1% صباح الجمعة، في ثالث يوم على التوالي من التراجع.

وكشفت بيانات وزارة التجارة الأميركية أن تأثير هذه التعريفات بدأ ينعكس على أسعار المستهلك. ففي يونيو، ارتفعت أسعار الأثاث المنزلي والمعدات المعمرة بنسبة 1.3%، وهي أعلى زيادة منذ مارس 2022، كما ارتفعت أسعار السلع الترفيهية والمركبات بنسبة 0.9%، والملابس والأحذية بنسبة 0.4%.

قطاع النبيذ والعطور والسلع الفاخرة الأوروبية تحت الضغط

في فرنسا وألمانيا، بدأت صناعات مثل إنتاج النبيذ والعطور تشعر بتأثير مباشر.

في وادي موزيل الألماني، أعرب صانع النبيذ يوهانس سيلباخ عن قلقه من الأثر المزدوج للتعريفات على الجانبين الأوروبي والأميركي، قائلاً: "هذه الرسوم تضر الأميركيين كما تضرنا. آلاف العائلات التي تنتج النبيذ في أوروبا، وآلاف العاملين في تجارة النبيذ بالولايات المتحدة، يعتمدون على التدفق التجاري من الطرفين."

أما منتجو الشمبانيا في فرنسا، فلا يملكون ترف إعادة التمركز. وقال هوغو درابييه، مدير شركة "شامبانيا درابييه": "لا يمكننا زراعة كروم الشمبانيا في مكان آخر من العالم." وعلى الرغم من ارتياحه لتخفيض التعرفة من 30% إلى 15%، أشار إلى أن بعض الشحنات إلى الولايات المتحدة قد تأخرت بالفعل بسبب عدم اليقين.

وفي مرسيليا، قال لوران كوهين، المدير التنفيذي لشركة "كورانيا" العائلية للعطور، إن الرسوم الجديدة تدفعه للبحث عن حلول مبتكرة: "مع تعريفات جمركية بنسبة 15% على منتجاتنا العطرية ذات الأسعار المعقولة، علينا الآن إظهار قدر كبير من الإبداع للاستمرار في السوق الأميركية."

ورغم أن العلامات الفاخرة تمتلك بعض القدرة على تمرير التكاليف إلى المستهلك، إلا أن الشركات الصغيرة لا تملك هذا الخيار، وتعاني من صعوبة نقل الإنتاج أو تحمل الخسائر. ووفقاً لتقرير تتبع التعريفات من "رويترز"، أعلن 99 من أصل 300 شركة أوروبية تم رصدها عن زيادات في الأسعار استجابة لهذه السياسات.

تداعيات عالمية تطال كندا والبرازيل والهند وتايوان ودول أخرى

لم تقتصر التأثيرات على أوروبا، إذ فرضت الولايات المتحدة رسوماً بنسبة 35% على سلع كندية، و50% على البرازيل، و25% على الهند، و20% على تايوان، و39% على سويسرا، بموجب الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب. وستخضع السلع من دول غير مدرجة لضريبة استيراد أساسية بنسبة 10%، مع استثناءات محدودة للشحنات التي تصل خلال الأسبوع المقبل.

وأصدر ترامب قراراً منفصلاً يرفع الرسوم على السلع الكندية المرتبطة بمكافحة الفنتانيل من 25% إلى 35%، متهماً أوتاوا بعدم التعاون الكافي في مكافحة تدفق هذا المخدر. ووصف رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، القرار بأنه "محبط"، مؤكداً أن حكومته ستركز على حماية الوظائف وتوسيع الأسواق التصديرية.

وفي المقابل، حصلت المكسيك على تأجيل لمدة 90 يوماً من تطبيق تعريفات بنسبة 30% على سلع غير معدنية وغير متعلقة بصناعة السيارات، بعد مكالمة هاتفية بين ترامب والرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم. ورغم ذلك، أبقى ترامب على رسوم بنسبة 50% على الصلب والألمنيوم والنحاس المكسيكي، و25% على السيارات والسلع غير المتوافقة مع اتفاقية USMCA.

أما الهند، ففُرضت عليها رسوم بنسبة 25% بعد فشل المفاوضات حول فتح سوقها الزراعي. وهدد ترامب أيضاً بعقوبات إضافية بسبب استيراد الهند للنفط الروسي، ما أثار موجة انتقادات داخلية وأدى إلى انخفاض الروبية. وتعهدت نيودلهي بحماية قطاعها الزراعي.

وفي البرازيل، فُرضت تعريفات بنسبة 50% رداً على محاكمة الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، مع استثناءات شملت قطاعات الطيران والطاقة وعصير البرتقال.

أما سويسرا، فأعلنت سعيها لإيجاد حل تفاوضي مع واشنطن، فيما وصف رئيس تايوان لاي تشينغ-تي نسبة 20% بأنها "مؤقتة"، آملاً في التوصل إلى تخفيض. بدوره، أكد وزير التجارة في جنوب أفريقيا، باركس تاو، أنه يعمل على إيجاد حلول "واقعية وعملية" لمواجهة الضرر الناتج عن تعريفات أميركية جديدة بنسبة 30% على صادرات بلاده.

جدل قانوني وتوترات في سلاسل التوريد

استندت أوامر ترامب إلى قانون صلاحيات الطوارئ الاقتصادية الدولية لعام 1977، مشيراً إلى "حالة طوارئ وطنية" ناجمة عن العجز التجاري وأزمة الفنتانيل. لكن بعض القضاة الفيدراليين شككوا في قانونية استخدام هذا الإجراء لفرض تعريفات واسعة بهذا الشكل.

وأشارت الإدارة الأميركية إلى أن مزيداً من الاتفاقيات التجارية قد تُعلَن قريباً، كما سيجري الكشف عن "قواعد المنشأ" التي ستحدد المنتجات الخاضعة أو المعفاة من الرسوم الأعلى.

في هذه الأثناء، تواجه العديد من الشركات تأخيرات في الشحن واضطرابات في سلاسل الإمداد. وذكرت غرفة التجارة الدولية أن عدداً متزايداً من الشركات بات أقل رغبة في التعامل مع السوق الأميركية.

وقال ويلسون: "أصبح من الصعب جداً إجراء الأعمال التجارية مع الولايات المتحدة... ولم يعد الأمر مجرد تكلفة مالية، بل تحوّل إلى إعادة تموضع استراتيجية وعملياتية."

ومع استمرار المفاوضات وظهور قواعد جديدة في الأفق، تسابق الحكومات والشركات حول العالم الزمن لحماية اقتصاداتها، وصون الوظائف، والاستعداد لتحولات جديدة في بيئة تجارية عالمية سريعة التغير.