AFP
AFP

بيروت، لبنان (أخبار إنمائية) — أعادت الغرامة المالية بقيمة مليون يورو التي فرضتها هيئة المنافسة الإيطالية في 4 أغسطس على عملاق الموضة السريعة العالمي "شين" النقاش حول التكلفة البيئية للملابس الرخيصة والقابلة للتخلص منها بسرعة.

وجاءت العقوبة بعد اتهامات بأن "شين" ضللت المستهلكين من خلال تصريحات غامضة وغير مثبتة حول استدامة منتجاتها، خاصة عبر حملات مثل #SHEINTHEKNOW و"evoluSHEIN by Design". ووفقاً للجهات التنظيمية، فقد صورّت هذه الادعاءات منتجات الشركة على أنها قابلة لإعادة التدوير أو ضمن دورة اقتصادية مغلقة، رغم الأدلة المتزايدة على زيادة انبعاثات "شين" في السنوات الأخيرة.

يعتمد نموذج عمل "شين" على السرعة والحجم، حيث يفيض السوق بآلاف التصاميم الجديدة يومياً بأسعار منخفضة جداً. وهذا يشجع المستهلكين على اعتبار الملابس قابلة للاستخدام لمرة أو مرتين فقط قبل التخلص منها.

وفي حين أن الضرر البيئي الناجم عن الموضة السريعة يمثل مشكلة عالمية، فإن تأثيره حاد بشكل خاص في منطقة البحر المتوسط، بما في ذلك لبنان. إذ تسهم صناعة الأزياء بشكل كبير في انبعاثات الكربون، وهدر المياه، وتلوث الميكروبلاستيك، في وقت تعاني معظم دول المنطقة من ضعف في التنظيمات البيئية ذات الصلة.

أزمة نفايات الألبسة في لبنان

في لبنان، باتت تداعيات ازدهار الموضة السريعة أكثر وضوحاً. حيث تغمر السوق ملابس بوليستر رخيصة الثمن، غالباً ما تُشترى عبر الإنترنت من تجار عالميين، وتُلقى غالباً في مكبات نفايات عشوائية في بيروت ومدن ثانوية أخرى.

يفتقر لبنان إلى نظام وطني لإعادة تدوير النسيج أو إعادة استخدامه بشكل رسمي. إذ ينتهي المطاف بمعظم الملابس المهملة في مدافن النفايات أو تُحرق، ما يسبب تلوثاً في الهواء والتربة. كما تتسرب الألياف الصناعية من هذه الملابس إلى البيئة، ملوثة الأراضي الزراعية والمسطحات الساحلية. وبالنظر إلى الضغوط البيئية التي تواجهها البلاد، فإن هذه الزيادة في النفايات تمثل تحدياً عاجلاً.

تشجع منصات البيع الإلكترونية التي تستهدف الشباب اللبناني على الشراء السريع عبر حملات المؤثرين والتخفيضات المفاجئة. ويؤدي ذلك إلى ثقافة استهلاكية مفرطة تتغير فيها الاتجاهات أسبوعياً، مع تراجع جودة الملابس. يرتدي كثير من المستهلكين هذه الملابس مرة أو مرتين فقط قبل أن تتمزق أو تتلاشى أو تتلف، ما يقصر عمرها الافتراضي بالفعل.

الحاجة إلى حلول مستدامة

رغم بعض جهود التوعية، لا يمتلك لبنان سياسات قوية أو آليات تطبيق لتنظيم واردات الملابس ودورة حياتها. وبدون قوانين تلزم الشفافية حول مصادر الأقمشة وقابليتها لإعادة التدوير ووجود المواد الكيميائية الضارة، لا يواجه التجار ضغوطاً للالتزام بمبادئ الاستدامة. وفي الوقت ذاته، يفتقر المستهلكون إلى خيارات متاحة للملابس المتينة والمحلية الصنع.

يمكن للمبادرات التي تدعم أسواق إعادة الاستخدام، والمنصات الخاصة بالملابس المستعملة، وخدمات تصليح الملابس أن تقلل من تدفق نفايات النسيج. كما قد تلعب حملات التوعية في المدارس والجامعات دوراً محورياً في تغيير سلوك المستهلكين. من خلال تشجيع الجمهور على التفكير النقدي في الأثر البيئي للملابس، يمكن للبنان أن يبدأ في التحول نحو اقتصاد دائري للموضة.

تمثل الإجراءات التنظيمية مثل الغرامة الإيطالية خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن التغيير الحقيقي يتطلب تحولاً نظامياً يبدأ بكيفية استهلاكنا، وتنظيمنا، والتخلص من الملابس. وفي لبنان، يعني ذلك مواجهة التكاليف البيئية والاجتماعية للموضة السريعة وبناء مسار مستدام للمستقبل.