
فلوريدا، الولايات المتحدة (أخبار إنمائية) — في خطوة مبتكرة للحد من تزايد أعداد أفاعي البورمي الغازية في جنوب فلوريدا، لجأ باحثون إلى استخدام أرانب روبوتية لتستدرج هذه الزواحف الخطيرة من أوكارها.
وتحاكي هذه الأرانب الآلية، التي تعمل بالطاقة الشمسية ويتم التحكم بها عن بُعد، الشكل والرائحة ودرجة الحرارة التي يصدرها الأرنب الحقيقي، والذي يُعد فريسة مفضّلة لهذه الأفاعي. وقد طوّر العلماء في جامعة فلوريدا هذه الأجهزة لتصدر إشارات حرارية وروائح صناعية تجذب الأفاعي، كما زوّدت بكاميرات ترصد تحركاتها وتُنبّه فرق المكافحة عند الاقتراب من إحدى الأفاعي، ليتم حينها إرسال صيادين متخصصين للتعامل معها.
وتأتي هذه المبادرة ضمن برنامج "القضاء على الأفعى البورمية" التابع لهيئة إدارة المياه في جنوب فلوريدا، والذي يهدف إلى تقليص أعداد هذا النوع الغازي المنتشر في أكثر من ألف ميل مربع، تشمل متنزه إيفرغليدز الوطني والمناطق الساحلية المحيطة مثل محمية روكري باي.
وقال الدكتور روبرت ماكليري، أستاذ علم البيئة البرية في جامعة فلوريدا والمشارك في المشروع، لصحيفة "بالم بيتش بوست":
«نحاول تقليد كل ما قد يصدر عن الأرنب الحقيقي، لأننا نريد خداع الأفعى بالكامل. بعد عشر سنوات من توثيق المشكلة، حان الوقت لمعالجتها.»
وقد استبدل الباحثون حشوة أربعين لعبة أرنب بمكونات إلكترونية مقاومة للرطوبة والأمطار، وتعمل بواسطة الطاقة الشمسية، لتتحمل الظروف المناخية القاسية في جنوب فلوريدا.
ولم تكن هذه المحاولة الأولى من نوعها؛ ففي عام 2020 استخدمت لجنة الحياة البرية كلابًا مدرّبة للعثور على الأفاعي، وفي عام 2022، لجأ باحثو جامعة فلوريدا إلى وضع أرانب حقيقية داخل أقفاص في قلب إيفرغليدز، فتمكنوا من استدراج 22 أفعى خلال 90 يومًا. كما تم في السابق تثبيت أجهزة تتبع على حيوانات مفترسة مفضّلة لدى الأفاعي، مثل الراكون والأرانب والأبوسوم، لتعقب أماكن وجود الأفاعي بعد ابتلاعها للفريسة.
كذلك، استخدم المسؤولون ذكور الأفاعي المزودة بأجهزة تعقّب للوصول إلى الإناث الحاضنات للبيض، ويُعرض مكافآت مالية على من يتمكن من اصطياد وقتل الأفاعي الغازية.
ورغم هذه الجهود، لا يزال اكتشاف الأفعى البورمية مهمة شديدة الصعوبة، إذ تشير الأبحاث إلى أن نسبة رصدها تتراوح بين 1% و3% فقط. ما يعني أن من بين كل 100 أفعى موجودة في منطقة ما، لا يتم الكشف سوى عن واحدة إلى ثلاث فقط. وفي متنزه إيفرغليدز الوطني، قد يستغرق الأمر ثماني ساعات من البحث المتواصل للعثور على أفعى واحدة.
وقد دخلت أفاعي البورمية إلى الولايات المتحدة عبر تجارة الحيوانات الأليفة في سبعينيات القرن الماضي، وبلغ عددها نحو 180,000 أفعى بين عامي 1975 و2018، أُطلق الكثير منها عمدًا أو عن طريق الخطأ في البرية. وبحلول عام 2000، كانت قد شكّلت تجمعًا متكاثرًا ذاتيًا في النظام البيئي لجنوب فلوريدا.
وكان أثرها على الحياة البرية المحلية مدمّرًا. ووفقًا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS)، تم العثور على 76 نوعًا من الفرائس في بطون هذه الأفاعي، منها الثدييات والطيور والزواحف وحتى التماسيح.
وكشفت دراسة أجريت عام 2012 عن تراجع هائل في أعداد بعض الحيوانات: الراكون بنسبة 99.3%، الأبوسوم بنسبة 98.9%، والوشق بنسبة 87.5%. وأظهرت دراسة لاحقة عام 2015 اختفاء شبه تام للأرانب المستنقعية وأرانب القطن والثعالب من المناطق المتأثرة.
وفي حادثة مثيرة عام 2022، صادف علماء أحياء أفعى بورمية يبلغ طولها نحو 15 قدمًا وهي تبتلع غزالًا أبيض الذيل بالغًا، في مشهد يُظهر القوة الهائلة لهذه الزواحف.
ومع ذلك، يرى بعض الباحثين أن النظام البيئي المحلي بدأ يستعيد توازنه تدريجيًا، فقد وثّقت حالات نادرة قامت فيها تماسيح وثعابين الماء السامة (كوتن ماوث) ووشوق بمهاجمة أفاعي بورمية وقتلها.
أما الفئران السوداء — وهي بدورها من الأنواع الغازية — فتُعد من الثدييات القليلة التي لم تتأثر. وقد وصلت إلى المنطقة منذ قرون عبر السفن الأوروبية، وتتميز بقدرتها السريعة على التكاثر، ومرونتها في التغذية على الجيف، والنباتات، والحشرات، وبقايا الطعام البشري، ما ساعدها على التكيّف والبقاء.
ورغم أن الولايات المتحدة حظرت استيراد أفاعي البورمية منذ عام 2012، إلا أن احتمالات القضاء الكامل عليها لا تزال ضعيفة. ومع ذلك، تأمل السلطات أن تمنحها هذه الأرانب الذكية أداة فعالة جديدة في حربها المستمرة لحماية النظام البيئي الهش في فلوريدا.