
طوكيو، اليابان (أخبار إنمائية) — أظهرت دراسة جديدة أن تغير المناخ أحدث تحولات جذرية في نظام الأرض، بما في ذلك معدلات الجفاف القاري ودورة المياه العالمية. وقد أدى الاحترار العالمي القياسي واستنزاف المياه الجوفية على نطاق واسع إلى جفاف القارات بشكل ملحوظ خلال السنوات الـ22 الماضية.
وأوضحت الدراسة، المنشورة في مجلة Science Advances، أن القارات فقدت كميات هائلة من المياه منذ عام 2002، بحيث تجاوزت هذه الخسائر تلك الناجمة عن الصفائح الجليدية، لتصبح أحد المساهمين الرئيسيين في ارتفاع مستوى سطح البحر عالميًا. وأوضح الباحثون أن نحو 70% من هذا الفقد يعود إلى استخراج المياه الجوفية بشكل غير منظم، حيث تُسحب المياه من الطبقات العميقة وتُنقل في النهاية إلى المحيطات.
وقالت الدراسة إن الجفاف القاري يؤثر الآن على معظم دول العالم وسكانه. ويعيش نحو 75% من سكان العالم في 101 دولة فقدت تقريبًا كل مصادر مياهها العذبة منذ عام 2002. ومع تفاقم الجفاف في المناطق التي تعاني أصلاً من ندرة المياه، وانخفاض مخزون المياه السطحية في الأنهار والبحيرات، أصبح الاعتماد على المياه الجوفية أمراً متزايداً، في وقت يشهد هذا المصدر الحيوي تراجعًا حادًا.
وأشار الباحثون إلى أن هذا الاعتماد المتزايد يؤدي إلى استنزاف طويل الأمد للطبقات الجوفية، وهي مشكلة تفاقمت بسبب الثغرات العالمية في إدارة المياه الجوفية. وحذرت الدراسة من أن هذه الأنماط تشكل تهديدًا لتوافر المياه وإدارتها المستدامة، ولسبل العيش والأمن الغذائي. كما أن ندرة المياه تعد محفزًا للهجرة المناخية والنزاعات عبر الحدود، سواء داخل الدول أو بين الدول.
وتشمل عواقب استنزاف المياه الجوفية عالميًا انخفاض إمدادات مياه الري، وتهديد الإنتاجية الزراعية والأمن الغذائي، وتراجع القدرة على التكيف مع المناخ، وانخفاض القدرة على الصمود أمام الجفاف. كما يؤثر ذلك على النمو في المدن الصحراوية، ويقلل التنوع البيولوجي، ويُلحق أضرارًا بالأنظمة البيئية المعتمدة على المياه الجوفية.
وأكدت الدراسة أن أخطر أثر لفقدان المياه الجوفية عالميًا يكمن في ارتفاع متوسط مستوى سطح البحر على المدى الطويل، حيث يؤدي فقدان المياه العذبة من القارات والصفائح الجليدية إلى زيادة كتلة المحيطات.
وحددت الدراسة مناطق “الجفاف الهائلة”، وجميعها تقع في نصف الكرة الشمالي، وتشمل مساحات واسعة من شمال كندا وشمال روسيا، إضافة إلى مناطق في جنوب غرب أمريكا الشمالية وأمريكا الوسطى، حيث يستمر الجفاف واستنزاف المياه الجوفية أو يتفاقمان. وتشمل المناطق المتأثرة أيضًا امتدادًا من شمال إفريقيا إلى أوروبا، مرورًا بالشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إلى شمال الصين وجنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى شرق وغرب أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وقال جاي فاميليتي، المؤلف المشارك وأستاذ كلية الاستدامة بجامعة ولاية أريزونا: "لا توجد مناطق كثيرة لم تتعرض للجفاف. لقد راقبت الوضع على مدى 20 عامًا، وقد تفاقم بشكل واضح." وأضاف أن مناطق الجفاف الهائلة عادة ما تقع في مناطق غنية بالمياه الجوفية تم استغلالها بكثافة لعقود.
وأشار فاميليتي إلى سهل شمال الصين، وشمال غرب الهند، ووادي كاليفورنيا المركزي في الولايات المتحدة، كنماذج لمناطق فقدت كميات هائلة من المياه بفعل النشاط البشري والتبخر، والتي تتدفق لاحقًا عبر الأنهار إلى المحيطات، مرفعةً منسوب مياهها.
وأضاف أن استنزاف المياه الجوفية لا يمكن عكسه، إلا أن تعديل أنماط الاستخدام، مثل وقف الري بالغمر وتقليل هدر المياه، يمكن أن يحدث فرقًا ملموسًا، كما أن أي إجراءات للحد من آثار تغير المناخ قد تسهم أيضًا في التخفيف من الخسائر.
ومن جهته، قال هريشيكيش أ. تشاندانبوركار، الباحث الرئيسي وعالم نظم الأرض بجامعة ولاية أريزونا: "الآثار المترتبة على ذلك واسعة النطاق. يجب إعادة النظر في إدارة المياه الجوفية بمستوى عالٍ من التخطيط والاستعداد."


