
بعلبك، لبنان (أخبار إنمائية) — نشأ شباب لبنان في ظل أزمات متلاحقة، من الانهيار الاقتصادي والاضطرابات السياسية إلى حرب مدمّرة شهدها عام 2024. وقد تركت هذه التحديات أثراً بالغاً على صحتهم النفسية، وأعادت تشكيل أنماط حياتهم اليومية.
في مواجهة هذه الظروف، أطلق أساتذة من الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) برنامجاً مجتمعياً بعنوان «COPE for HOPE»، يهدف إلى تحسين جودة الحياة والصحة النفسية والتغذية لدى الفئات المهمشة في المناطق الأكثر هشاشة. ويأتي هذا المشروع بدعم من «صندوق البحث الداخلي لرئيس الجامعة» (PIRF).
يعتمد البرنامج على نموذج COPE – خلق الفرص للتمكين الشخصي – الذي طورته بيرناديت ميلنيك، الرئيسة التنفيذية ومؤسسة شركة COPE2Thrive LLC. ويرتكز النموذج على مهارات العلاج السلوكي المعرفي (CBT) بهدف الحد من الأفكار السلبية، وتعزيز العادات الصحية، وتحسين مهارات التواصل وحل المشكلات. وأثبتت الدراسات العالمية فعاليته في تخفيف الضغوط النفسية، ورفع مستويات تقدير الذات، وتنمية آليات التكيف الإيجابي.
استضاف المجلس الثقافي في بعلبك البرنامج، مستهدفاً المراهقين اللبنانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاماً. وعلى مدى سبع جلسات، تعلّم المشاركون كيفية إدارة الضغوط، وإعادة صياغة الأفكار غير المفيدة، وبناء المرونة العاطفية، واعتماد أسلوب حياة أكثر صحة.
أدار الجلسات عدد من الأخصائيين النفسيين المحليين بعد تلقيهم التدريب والدعم من الدكتورة ريتا ضو ميّت، أستاذة مساعدة في «كلية أليس رامز شاغوري للتمريض» في LAU، ومن الدكتورتين مريم الخوري-ملحمة ونادين زعني، أستاذتيْن مساعدتيْن في «كلية الآداب والعلوم». وقد جرى تكييف البرنامج بعناية ليتماشى مع السياق الثقافي اللبناني.
وكان النموذج قد خضع لتجربة أولية عام 2017 في بيروت، إلا أنّ هذه المرة تم تطبيقه لأول مرة في منطقة ريفية، بعد سلسلة من التحديات الوطنية غير المسبوقة، مع التركيز على الدمج بين الدعم النفسي والتوعية الغذائية، انطلاقاً من الترابط الوثيق بين الصحة النفسية والجسدية.
وقالت الدكتورة نادين زعني، التي يتركز بحثها على أنماط السلوك الغذائي: «في لبنان، تُعد صورة الجسد هاجساً أساسياً لدى المراهقين من الجنسين».
وتضمنت الأنشطة تمارين لعب أدوار لتدريب المشاركين على الحوار الذاتي الإيجابي وتقنيات الاسترخاء، وأنشطة جماعية لحل المشكلات الواقعية مثل التنمّر والخلافات الأسرية، إضافة إلى تدريبات على تحديد الأهداف ومتابعة تحقيقها. كما كُلّف المراهقون بواجبات منزلية بين الجلسات، مع إرسال رسائل نصية تذكيرية لتشجيعهم على الممارسة المنتظمة.
وقالت الدكتورة مريم الخوري-ملحمة، الباحثة الرئيسية في الدراسة والمتخصصة في عوامل الخطر المرتبطة بالضغوط النفسية الناتجة عن الصدمات والنمو ما بعد الصدمة: «من المهم جداً البناء على مكامن القوة والقدرة على التكيف لدى هذه الفئة العمرية، وتعليمهم عادات صحية مثل إعادة الهيكلة المعرفية، وتقنيات التنفس، والتغذية السليمة، والنوم الصحي، لتعزيز الذكاء العاطفي وتقديم نماذج عملية للتعامل الأفضل مع التحديات».
وأضافت: «رغم الأعباء الاجتماعية والاقتصادية الهائلة على اللبنانيين، فإن البرامج المؤسسية التي تتناول الصحة النفسية والرفاه نادرة».
وتشير النتائج الأولية إلى تراجع أعراض الاكتئاب والقلق، وتحسن تقدير الذات، وتحسن في أنماط النوم وإدارة الضغوط. كما أفاد المشاركون بانخفاض نوبات الهلع، وتعزيز الشعور بالانتماء، وبناء علاقات اجتماعية متينة.
وفي كلمتها خلال حفل الاختتام في 29 حزيران 2025، قالت الدكتورة ريتا ضو ميّت: «نحن فخورون بسفرائنا الجدد للصحة النفسية، ونعوّل عليهم في مواجهة الخطابات السلبية من خلال التركيز على المرونة والصمود».
وشهد الحفل تكريم 86 مشاركاً وتسليمهم شهادات تقدير، بحضور الأهالي، ومدير المجلس الثقافي في بعلبك، ورئيس بلدية بعلبك، ورئيس اتحاد بلديات بعلبك.
وتسعى فرق العمل في LAU حالياً إلى الاستفادة من نتائج البرنامج للحصول على منح خارجية، وتوسيع نطاقه على مستوى لبنان، بهدف دمجه بشكل منهجي في المناهج المدرسية.



