
بيروت، لبنان (أخبار إنمائية) — يشهد العالم تنامي ظاهرة استهلاكية تُعرف باسم «اقتصاد التدليل» (Treatonomics)، وهي تعيد تشكيل أنماط الإنفاق في الأسواق العالمية. يشير المصطلح إلى زيادة الإقبال على شراء سلع صغيرة نسبيًا وذات تأثير نفسي إيجابي — من مستحضرات التجميل والمقتنيات إلى الإكسسوارات المصممة والمشروبات المتخصصة — وذلك في وقت تدفع فيه معدلات التضخم المرتفعة وحالة عدم اليقين الاقتصادي إلى تراجع الطلب على السلع الأكبر والأغلى ثمنًا.
آلية مواجهة الركود بنسخة 2025
تتوافق هذه الظاهرة مع ما يُعرف منذ سنوات بـ«أثر أحمر الشفاه»، أي لجوء المستهلكين إلى الكماليات الصغيرة في فترات التراجع الاقتصادي. لكن «اقتصاد التدليل» اليوم يتجاوز مستحضرات التجميل. فبيانات متتبع المستهلكين لدى Deloitte تُظهر أن المتسوقين يقلّصون إنفاقهم في بعض الفئات، لكنهم لا يزالون ينفقون على الكماليات الصغيرة. منتجات التجميل وسلع «التدليل البسيط» ما زالت صامدة نسبيًا رغم الضغوط التضخمية. وفي المقابل، تُحذّر بيانات من قطاع التجزئة من التعميم: إذ أشار Business of Fashion إلى تراجع مبيعات التجميل في 2025، ما يؤكد أن «مؤشر أحمر الشفاه» ليس قاعدة اقتصادية ثابتة.
لحظة الرفاهية الصغيرة في لبنان
في قرية الصيفي — الحي الراقي القابل للتجوال في بيروت والمليء بالمقاهي والمتاجر — تبدو ملامح اقتصاد التدليل واضحة في عطلة نهاية الأسبوع: القهوة، المعجنات، والمشتريات الصغيرة من العلامات المصممة بأسعار أقل من السلع الفاخرة الكبرى. ويشمل النمط سلعًا أخرى أيضًا. فقد شهدت المقتنيات مثل مجسمات Labubu من شركة Pop Mart، المباعة في بيروت بأسعار تتراوح بين 100 و150 دولارًا، ودمى Cry Babiesالتي تباع بين 60 و80 دولارًا، إقبالًا ملحوظًا. كما لا تزال الإكسسوارات مثل غطاء الهاتف الشهير من علامة Rhode والأزياء الرياضية الفاخرةتحافظ على شعبيتها، رغم أسعارها المرتفعة نسبيًا.
أوجه التشابه الإقليمية والعالمية
تُظهر أبحاث دولية تحولات إنفاق مماثلة في أسواق أخرى. فقد حافظت ألعاب «الصناديق الغامضة»، ومستحضرات التجميل، والإكسسوارات الفاخرة الميسورة على الطلب خلال فترات انخفاض ثقة المستهلكين. ويشير محللو التجزئة إلى أن السلع الصغيرة تبلي بلاءً أفضل من السلع الكبيرة في هذه الظروف.
السياق الاجتماعي والاقتصادي
يرتبط هذا الاتجاه بجملة من العوامل:
التضخم المرتفع يقلّص قدرة الأسر على شراء السلع الكبيرة.
الاقتصاد السلوكي يوضح أن المستهلكين يتأقلمون عبر التوجه إلى السلع الأصغر التي تمنح قيمة رمزية أو شعورًا مؤقتًا بالارتياح.
المحركات السلوكية
يحدد الخبراء عاملين رئيسيين يقفان وراء الظاهرة:
إمكانية الوصول: أسعار هذه السلع أدنى من السلع الفاخرة التقليدية، ما يجعلها في متناول المستهلكين حتى مع تراجع القوة الشرائية.
الجاذبية العاطفية: ترتبط هذه المنتجات بالهوية، بالاتجاهات الاجتماعية، وبالحصول على دفعة معنوية قصيرة المدى.
التوقعات
لا يزال مدى استمرارية «اقتصاد التدليل» على المدى الطويل قيد الدراسة، لكن البيانات الأولية تشير إلى أن العلامات التجارية التي تعمل ضمن فئة «الرفاهية الميسورة» تحقق مكاسب. وفي لبنان، يواصل تجار التجزئة طرح منتجات صغيرة مرتبطة بالوجاهة الاجتماعية تجذب المستهلكين الباحثين عن التوازن بين القيود المالية والرغبة في مواكبة الاتجاهات.


