
بيروت، لبنان (أخبار إنمائية) – بعد مرور أسابيع على القرار الاستثنائي الصادر عن النائب العام المالي في لبنان بإعادة الأموال المحوَّلة إلى الخارج، يقيّم الخبراء تأثيره المحتمل على النظام المصرفي والاقتصاد ككل. ويتطلب هذا القرار، الذي يشمل الأفراد والمؤسسات بما في ذلك المصرفيين، إعادة الأموال المحوَّلة خلال الأزمة، بهدف استعادة السيولة وتعزيز الثقة في القطاع المالي اللبناني.
القرار الذي أتى بعد تحقيقات موسّعة، يستند إلى المرسوم الاشتراعي رقم 150/1983 الذي يمنح النيابة العامة المالية صلاحيات واسعة في الجرائم المالية، تشمل التحقيق في قضايا المال العام، الفساد، التهرّب الضريبي وتبييض الأموال، فضلاً عن اتخاذ تدابير استثنائية في الظروف الطارئة خدمةً للمصلحة العامة.
ورغم غياب نص قانوني صريح يُلزم الأفراد بإعادة الأموال المحوّلة، اعتبرت النيابة العامة أنّ الخطوة تندرج في إطار "التدابير الاستثنائية التي تفرضها الضرورة"، بالنظر إلى الأضرار البالغة التي تسببت بها التحويلات على مستوى السيولة وحقوق المودعين.
في مقابلة مع موقع إنمائية، وصف المحامي محمد رزق القرار بأنّه «خطوة جريئة وسابقة قضائية»، لكنه حذّر في الوقت نفسه من مخاطره. وقال: «لا شك أنّ القرار يُشكّل سابقة مهمّة ضمن حدود صلاحيات النائب العام المالي في مواجهة الجرائم المالية. غير أنّه، على أهميته ورمزيته، لا يمكن أن يكون كافياً بمعزل عن إطار تشريعي واضح يحدّد المعايير والحدود».
وأضاف أنّ التعامل مع التحويلات التي جرت خلال الأزمة بوصفها جزءاً من "الفجوة المالية" يتطلّب نصوصاً قانونية دقيقة، تضع الأساس لهذا التوصيف وتفصل بين التحويلات المشروعة — كالنفقات الطبية والتعليمية أو الإيفاء بالتزامات خارجية — وتلك التي هدفت فعلياً إلى تهريب الأموال أو الإضرار بالنظام المالي. وقال: «غياب هذا التحديد التشريعي يفتح الباب أمام الطعن والجدل القانوني، ويقوّض الثقة بالقطاع المالي الذي يعاني أصلاً من أزمة غير مسبوقة».
وشدّد رزق على أهمية وضع آليات تنفيذية واضحة وشفافة لأي خطوة من هذا النوع، بما يضمن التعاون الكامل بين النيابة العامة المالية ومصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، وتوفير البيانات اللازمة بشكل دقيق ومنهجي.
وأضاف رزق: «إنّ وضوح هذه الآليات يضمن تطبيق القرار بطريقة متوازنة، تمنع الاستنسابية أو التمييز، وتكفل حقوق الأفراد والمؤسسات على حد سواء. وإلا، فقد يتحوّل القرار إلى خطوة مثيرة للجدل أكثر منها إجراء إصلاحي فعّال».
من الناحية الاقتصادية، يرى رزق أن القرار يحمل أبعادًا إيجابية محتملة، لكنه في الوقت نفسه محفوف بالتحديات. «على الصعيد الإيجابي، فإن إلزام الأفراد والجهات التي حوّلت أموالها إلى الخارج خلال الأزمة بإعادة ما يعادلها قد يُعيد جزءًا من السيولة المفقودة إلى النظام المصرفي، ما قد يساعد على تعزيز قدرة المصارف على الوفاء بالتزاماتها ويمنح الاقتصاد جرعة ثقة ولو محدودة».
وأضاف رزق: «كذلك، قد يُفسَّر القرار على أنّه إشارة جدّية من السلطات لاستعادة بعض العدالة المالية ومحاسبة من استغلّ الأزمة لمصالح شخصية، ما قد يساهم في تحسين صورة لبنان أمام الجهات الدولية والمانحين إذا ما تمّ ضمن إطار إصلاحي شامل».
لكنه حذر من السلبيات والمخاطر المحتملة، مشيراً إلى أن أي إجراء يُنظر إليه كاسترداد قسري للأموال قد يُضعف الثقة أكثر بدل تعزيزها، خصوصاً إذا شمل تحويلات كانت مشروعة أو قانونية في وقتها. وقد يؤدي ذلك إلى دفع المودعين والمستثمرين لتفادي إعادة أموالهم إلى لبنان خوفاً من إجراءات مشابهة في المستقبل.
وأضاف: «كذلك، قد يؤثر القرار سلبًا على تحويلات المغتربين، التي تُعتبر شريانًا أساسيًا للاقتصاد اللبناني، إذا شعر هؤلاء بأن الدولة قد تمتدّ يدها إلى أموالهم من دون معايير دقيقة أو ضمانات قانونية واضحة. إضافةً إلى ذلك، فإنّ نجاح القرار الاقتصادي يرتبط بوجود خطة متكاملة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح المالية العامة، وإلاّ فإنّ أي سيولة يتم استردادها قد تضيع في فجوة النظام من دون أثر يُذكر».
وأشار رزق إلى أنّ القرار يُنظر إليه من الناحية الاقتصادية كخطوة ذات طابع رمزي أكثر منه علاجي إذا لم يُرفق بحزمة إجراءات إصلاحية وتشريعات واضحة تعالج جذور الأزمة وتعيد الثقة إلى القطاع المالي. وأوضح أنّ المطلوب ليس فقط إعادة الأموال، بل إعادة بناء منظومة كاملة تضمن الشفافية، وتحدد المسؤوليات، وتظهر التزام الدولة بحماية الحقوق والودائع دون التضييق عليها.
وقال رزق: «النجاح لا يُقاس بقرارات جريئة فحسب، بل بقدرتها على الصمود أمام المحاكم والرأي العام، وأن تُترجم إلى نتائج فعلية تعيد التوازن والعدالة إلى النظام المالي. وإلاّ، فإنّ القرار يبقى شكلياً بلا قيمة تنفيذية».
بالمحصلة، يُشكّل قرار القاضي ماهر شعيتو خطوة بارزة تعكس قدرة القضاء على التعامل مع الملفات المالية الكبرى، إلا أنّ أثره الفعلي يعتمد على وضوح آليات التنفيذ ووجود إطار تنظيمي متكامل يضمن التطبيق العادل وحماية حقوق جميع الأطراف.