أخبار إنمائية
أخبار إنمائية

بيروت، لبنان (أخبار إنمائية) — يشهد البحر الأبيض المتوسط ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة، حيث سجّل شهر يوليو/تموز 2025 متوسط حرارة بلغ 26.9 درجة مئوية، وهو الأعلى منذ بدء القياسات، وفق بيانات خدمة كوبرنيكوس الأوروبية لتغير المناخ.

وفي مناطق مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا تجاوزت الحرارة 28 درجة مئوية، ما حوّل البحر من ملاذ منعش للسياح إلى "حوض ساخن"، مهدداً التنوع البيئي البحري.

ويحذر العلماء من أن البحر المتوسط يسخن بوتيرة أسرع من المحيطات المفتوحة بسبب طبيعته شبه المغلقة واتصاله المحدود بالمحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق.

وأجرت جامعة كيل البريطانية بالتعاون مع جامعة أنجيه الفرنسية دراسة نُشرت في مجلة Nature، حللت من خلالها 131 دراسة علمية حول آثار تغير المناخ في المنطقة. وابتكر الباحثون مخطط تقييم مخاطر مخصص للبحر المتوسط، اعتماداً على أداة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، يوضح كيف يمكن لأي زيادة بسيطة في درجات الحرارة تهديد النظم البيئية البحرية والساحلية.

وطرحت الدراسة سيناريوهين رئيسيين للانبعاثات حسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ:

  • السيناريو المعتدل، الذي يفترض استقرار الانبعاثات بفضل سياسات مناخية، ويقدّر ارتفاع حرارة البحر المتوسط بين 0.6 و1.3 درجة مئوية بحلول عامي 2050 و2100.

  • السيناريو المرتفع، الذي يفترض استمرار الانبعاثات بلا قيود، ويتوقع زيادة بين 2.7 و3.8 درجات مئوية خلال الفترة نفسها.

وفي كلا السيناريوهين، تواجه النظم البيئية مخاطر متزايدة. فقد تختفي مراعي الأعشاب البحرية بالكامل بحلول عام 2100 مع زيادة قدرها 0.8 درجة مئوية، ومن المتوقع تراجع الطحالب الأصلية، مقابل انتشار الأنواع الغازية التي تزدهر في المياه الأكثر دفئاً.

كما قد تنخفض مخزونات الأسماك بنسبة 30–40% مع هجرة بعض الأنواع شمالاً وظهور أسماك دخيلة مثل الأسد السمكي. وتواجه الشعاب المرجانية مخاطر تتراوح بين المتوسطة والمرتفعة عند تجاوز درجات الحرارة 3.1 درجات مئوية.

وتبقى العوالق والكائنات الدقيقة عرضة للتأثر، مما قد يغيّر المجتمعات البحرية ويزيد من تواتر ظواهر المد الأحمر والطحالب السامة.

ويرتبط ارتفاع درجات الحرارة ومستوى البحر مباشرة بتهديد الشواطئ والكثبان الرملية، ما يهدد أكثر من 60% من مواقع تعشيش السلاحف. كما قد تشهد الأراضي الرطبة والسواحل والبحيرات والدلتا تغييرات نباتية واسعة، فيما تتعرض المياه الجوفية الساحلية لخطر التملّح ونقص المياه العذبة.

ويصف العلماء البحر المتوسط بأنه "بؤرة ساخنة للتغير المناخي ومختبر طبيعي"، إذ تُسجل فيه آثار الاحترار بوتيرة أسرع من المحيطات، ويعدّ إنذاراً مبكراً لبقية مناطق العالم.

ويؤكد الباحثون أن القرارات السياسية ستحدد ما إذا كانت النظم البيئية ستنهار بالكامل أم ستظل قادرة على الصمود، مشيرين إلى أن حتى زيادة قدرها عُشر درجة مئوية يمكن أن يكون لها أثر حاسم. وتأتي موجة الحر الحالية ضمن سلسلة من الظواهر الاستثنائية في حرارة البحار الملاحظة عالمياً خلال عام 2025.

ويشدّد العلماء على ضرورة تعزيز التعاون العلمي وتوسيع شبكات المراقبة، محذرين من أن تغير المناخ لم يعد تهديداً مستقبلياً، بل واقعاً يضرب النظم البيئية في البحر المتوسط بشكل خطير.