أخبار إنمائية
أخبار إنمائية

كاليفورنيا، الولايات المتحدة (أخبار إنمائية) — توقّع ريد هوفمان، الشريك المؤسس لموقع "لينكد إن"، أن تختفي الوظائف المكتبية التقليدية بحلول عام 2034، مع تغيّر أنماط العمل جذرياً بفعل تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وقال هوفمان: "نموذج العمل المكتبي من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً في طريقه للاندثار. أقل من نصف القوى العاملة الأميركية سيبقى مرتبطاً بالمكاتب، بينما سيتجه معظم الموظفين إلى العمل عن بُعد، سواء كعاملين مستقلين أو في وظائف مرنة تتيح لهم اختيار زمان ومكان العمل."

ويُعرف هوفمان بقدرته على استشراف المستقبل؛ ففي أواخر التسعينيات توقّع صعود الشبكات الاجتماعية قبل ظهور "فيسبوك"، ثم تنبأ بانتشار اقتصاد العمل الحر واستثمر في شركات مثل "إير بي إن بي" (Airbnb)، كما تحدث عن الذكاء الاصطناعي قبل أن يدرك معظم الناس إمكاناته.

وأوضح هوفمان أن التحول من المكاتب لا يرتبط فقط بالراحة، بل بالتكنولوجيا التي جعلت العمل عن بُعد ممكناً وسلساً؛ إذ أتاحت مكالمات الفيديو، والأدوات السحابية، والذكاء الاصطناعي للشركات الاستغناء عن جمع موظفيها في مكان واحد. وأضاف أن الكثير من الموظفين يفضلون الحرية التي يوفرها العمل من المنزل على التنقّل اليومي.

وأشار هوفمان إلى أن الأتمتة تمثل عاملاً محورياً في هذا التحوّل، إذ أصبح الذكاء الاصطناعي يتولى المهام الروتينية ــ من إدخال البيانات إلى جدولة المواعيد وخدمة العملاء ــ بكفاءة وسرعة تفوق الإنسان. ورغم ما قد يبدو تهديداً للوظائف، يرى هوفمان أن ذلك سيدفع الأفراد نحو أعمال أكثر إبداعاً وقيمة تركّز على حل المشكلات والتفكير الإستراتيجي بدلاً من المهام المتكررة.

عصر جديد للتوظيف

يتوقع هوفمان أن يشهد التوظيف تحولات جذرية؛ فلن تُعتمد السير الذاتية أو الشهادات الجامعية كمعيار رئيسي، بل ستُقيّم الكفاءات بناءً على الخبرات العملية، والمشاريع المنجزة، والحضور المهني عبر الإنترنت. وستتولى أنظمة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تحليل أعمال المرشحين السابقة وصورتهم الرقمية بدلاً من الاكتفاء بالمؤهلات الأكاديمية أو المسميات الوظيفية.

وفي الاقتصاد الجديد، لن يقتصر معظم الأفراد على وظيفة واحدة، بل سيتوزع دخلهم بين وظائف جزئية، وأعمال حرة، ومشاريع جانبية، واستثمارات. وسيُطلب من العاملين الانتقال بين أدوار مختلفة وتطوير مهارات جديدة تبعاً للفرص المتاحة، وهو ما قد يُثير الحماس لدى البعض ويبعث على القلق لدى آخرين بسبب غياب الاستقرار الوظيفي التقليدي.

كما شدّد هوفمان على أن العمل المرن عن بُعد يتطلب تعلّماً مستمراً، وقدرة على إدارة الوقت وبناء العلاقات المهنية والحفاظ على التنافسية في سوق سريع التغيّر. ومع اختفاء الحدود بين البيت والعمل، قد يصبح تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والعملية أكثر صعوبة.

الذكاء الاصطناعي والخريجون الجدد

وقال هوفمان: "أي وظيفة تتطلب من الإنسان أن يتصرف كروبوت، سيتقنها الروبوت في النهاية"، مشيراً إلى أدوار خدمة العملاء المتكررة كأمثلة واضحة.

كما توقّع تراجعاً في الوظائف الهندسية التقليدية المخصصة للخريجين الجدد، موضحاً أن الذكاء الاصطناعي سيدعم الأعمال المعرفية، فيما ستبقى المهارات التقنية مطلوبة، لكن طبيعة العمل ستتحول من كتابة الأكواد إلى إدارة الوكلاء البرمجيين.

وكتب هوفمان على صفحته في "لينكد إن": "رغم أن كثيراً من الشركات لم تتوصل بعد إلى آلية دمج المهندسين الجدد في بيئات العمل المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، فإنني أؤمن بأن الطلب على أصحاب التفكير التقني سيكون شبه غير محدود." وضرب مثالاً بمهنة المحاسبة التي لم تختفِ مع ظهور جداول البيانات، بل تحوّلت من جمع حسابات روتينية إلى تخطيط استراتيجي ونمذجة للمخاطر وتقديم الاستشارات.

ورغم أن تراجع بعض الوظائف قد يشكّل مصدر قلق للخريجين الجدد، يرى هوفمان أن ذلك يمثل فرصة أيضاً، إذ يتيح لهم الانخراط مبكراً في بيئات عمل مدعومة بالذكاء الاصطناعي واكتساب ميزة تنافسية من خلال فهم أدواته وتوظيفها في خدمة المؤسسات.

تداعيات اقتصادية وشخصية

ويتوقع هوفمان وعدد من الخبراء انعكاسات واسعة لهذا التحوّل، أبرزها:

  • زيادة الاستهلاك: بفضل الكفاءة وخفض التكاليف، قد ترتفع القدرة الشرائية ومستويات المعيشة.

  • قفزة في الإنتاجية: تشير توقعات "جي بي مورغان تشيس" إلى نمو إنتاجي غير مسبوق منذ المحرك البخاري والكهرباء والحاسوب الشخصي، مع كون الذكاء الاصطناعي يغير بالفعل طريقة إنجاز الأعمال.

  • التركيز على الجودة والقيمة: مع تحسن المنتجات وانخفاض الأسعار، سيتجه المستهلكون أكثر نحو الاهتمام بالمتانة وسمعة العلامة التجارية بدلاً من السعر فقط.

وختم هوفمان بالقول إن "الوظائف لن تختفي، بل ستُعاد صياغتها"، مؤكداً أن من يستعد مبكراً ويواكب هذا التحول سيحظى بالأفضلية في سوق العمل المستقبلي.