أخبار إنمائية
أخبار إنمائية

ستوكهولم، السويد (أخبار إنمائية) — كشف تقرير دولي بارز صدر هذا الشهر أنّ الديمقراطية العالمية تواجه ضغوطاً متزايدة، في ظل تراجع غير مسبوق لحرية الصحافة منذ نصف قرن، وبقاء الحقوق السياسية لملايين الأشخاص معلّقة مع تسارع وتيرة الهجرة.

التقرير المعنون "حالة الديمقراطية في العالم 2025: الديمقراطية على حركة دائمة"، والصادر عن المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA)، يؤكد أنّ أكثر من نصف الدول التي شملها الرصد شهدت تراجعاً في مؤشر ديمقراطي رئيسي واحد على الأقل خلال الفترة بين عامي 2019 و2024. وبالأرقام، سجّل التقرير تراجعاً في 94 دولة على صعيد ركائز أساسية مثل نزاهة الانتخابات، وسيادة القانون، والحريات المدنية، والمشاركة السياسية.

ويسلط التقرير الضوء على أربع ركائز للديمقراطية: التمثيل، والحقوق، وسيادة القانون، والمشاركة، موضحاً أنّ هذه الركائز تواجه ضغوطاً في مناطق واسعة من العالم. فقد تراجعت استقلالية القضاء ومصداقية العمليات الانتخابية في عدد من الدول، بينما بقي التمثيل السياسي والمشاركة الفاعلة محصورَين لفئات محدودة، وهو ما يجعل الأنظمة الديمقراطية أكثر هشاشة حتى في البلدان التي تواصل إجراء انتخابات دورية.

ومن أبرز ما ورد في نسخة هذا العام تحذير حاد بشأن حرية الصحافة، حيث سجّل التقرير تراجعاً حاداً وصفه بأنه "الأكبر منذ نحو خمسين عاماً"، مع رصد تدهور ملحوظ في نحو ربع الدول المشمولة. ويربط التقرير هذا التراجع بجملة من العوامل، منها النزاعات، والتضييق القانوني، والضغوط الاقتصادية على المؤسسات الإعلامية، والدعاوى القضائية، فضلاً عن الاستهداف المباشر للصحفيين.

كما يركّز التقرير بشكل خاص على العلاقة بين الهجرة والديمقراطية، في إطار ما أسماه "الديمقراطية على حركة دائمة". ويشير إلى أنّ نحو 304 ملايين شخص يعيشون اليوم خارج بلدانهم الأصلية، ما يثير تساؤلات حول مدى إدماج هؤلاء في الحياة السياسية للدول.

ويبيّن التقرير أنّ الأطر القانونية والعملية الخاصة بتصويت المواطنين المقيمين في الخارج لا تزال غير متكافئة، وأن كثيراً من الحكومات تفتقر إلى القدرة الإدارية أو الإرادة السياسية لضمان مشاركتهم الفعّالة. ويرى IDEA أنّ توسيع حقوق المواطنين المغتربين وحمايتها قد يعزز مناعة الديمقراطيات.

ويكشف التقرير أنّ التراجع الديمقراطي يطال قارات عدّة، حيث تتحمّل إفريقيا وأوروبا القسط الأكبر من هذا التراجع. كما يظهر أنّ دولاً كانت تُعدّ راسخة في تقاليدها الديمقراطية بدأت تعاني من تصدّعات، مع ضغوط متزايدة على المحاكم والبرلمانات والهيئات الرقابية، وتقلّص مساحات حرية الإعلام، وتراجع ثقة المواطنين. ويحذر خبراء من أنّ ضعف الديمقراطيات الكبرى قد يشجع حكومات أخرى على تقليد الأساليب السلطوية.

ويعزو IDEA هذا التراجع العالمي إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، أبرزها الانقسامات السياسية الحادة، وانتشار المعلومات المضللة، والأزمات الأمنية، وتوسّع استخدام الصلاحيات الاستثنائية، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية. ويحذر التقرير من أنّ الأزمات الكبرى، مثل الأوبئة والحروب وموجات النزوح، يمكن أن تفاقم التراجع إذا لم تُدعَّم القوانين والمؤسسات.

ولمواجهة هذه التحديات، يقدّم التقرير مجموعة توصيات تستهدف الحكومات والبرلمانات والمجتمع المدني، أبرزها: حماية الصحفيين وضمان استقلالية الإعلام، تعزيز استقلال القضاء وشفافية الإجراءات القانونية، تحسين إدارة العمليات الانتخابية وضمان نزاهتها، وتطوير التشريعات لتأمين مشاركة عادلة للمواطنين المقيمين في الخارج عبر آليات اقتراع آمنة وميسّرة. ويؤكد IDEA أنّ هذه الحلول يجب أن تُصاغ وفق خصوصية كل بلد وأن تُرفق ببرامج للتثقيف المدني لإعادة بناء الثقة العامة.

ويرى خبراء حقوقيون ومنظمات مدنية أنّ التقرير يثبت المخاوف التي عبّروا عنها على مدى سنوات بشأن تآكل الديمقراطية، مؤكدين أنّ الدعم الدولي قد يكون مفيداً، لكن التعافي الحقيقي يتوقف على القرارات الوطنية وإرادة حماية المؤسسات المستقلة.