
واشنطن (أخبار إنمائية) — 24 أيلول/سبتمبر 2025
واجه استخدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب للصلاحيات التنفيذية اختباراً كبيراً الأسبوع الماضي، بعدما أصدرت المحاكم الأميركية أحكاماً تحدّ من لجوئه الواسع إلى الرسوم الجمركية. ويُعدّ هذا القرار أوّل تحدٍ قضائي جدّي لأجندة الرئيس الاقتصادية الدولية، ومؤشراً إلى مرحلة أكثر صعوبة في ولايته الثانية.
فقد قضت محكمة التجارة الفيدرالية بأنّ الرسوم التي فرضها ترامب في ما سمّاه “يوم التحرير”، إضافةً إلى الرسوم السابقة على المكسيك وكندا، تجاوزت الصلاحيات الممنوحة له بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA). ورأت المحكمة أنّ هذه الرسوم لم تكن مرتبطة بما يكفي بمبرّر الرئيس المعلن، وهو مواجهة حالة طوارئ متعلّقة بالمخدّرات. وقد صدر القرار بالإجماع عن هيئة مؤلّفة من ثلاثة قضاة، أحدهم عيّنه ترامب نفسه.
ورغم أنّ محكمة أعلى علّقت الحكم مؤقتاً ريثما تنظر في استئناف الإدارة، إلا أنّ القرار أحدث صدمة سياسية واقتصادية وقانونية، وأكد — بحسب خبراء — أنّ الجهود الرامية إلى كبح السلطة التنفيذية تكتسب زخماً متزايداً.
أسئلة دستورية
ينصّ الدستور الأميركي على أنّ سلطة فرض الضرائب والرسوم تعود إلى الكونغرس. وقد مُنح الرؤساء حق استخدام هذه الأداة فقط عبر تفويض محدود من الكونغرس بموجب قوانين مثل الـIEEPA. لكنّ القضاة اعتبروا أنّ استخدام ترامب للرسوم كورقة ضغط في المفاوضات التجارية يتجاوز ما يسمح به القانون.
كما استند القرار إلى مبادئ قانونية منها “عدم التفويض”، الذي يضع حدوداً لمدى قدرة الكونغرس على نقل صلاحياته التشريعية، و”مبدأ الأسئلة الكبرى”، الذي يشترط أن يعبّر الكونغرس بوضوح عندما يفوّض سلطات جوهرية. وقد استُخدمت هذه المبادئ سابقاً من التيار المحافظ لمواجهة سياسات ديمقراطية، لكنها الآن قد تُقيّد رئيساً جمهورياً.
تداعيات سياسية
من المتوقّع أن تصل القضايا قريباً إلى المحكمة العليا. وإذا اعتُبرت الرسوم غير قانونية، فقد يضعف موقف ترامب سياسياً. فمعظم الأميركيين يرون أصلاً أنّ الرسوم تكلّف البلاد أكثر مما تدرّه. وفي المقابل، فإنّ كبح الإجراءات الأكثر تطرفاً قد يخفّف المخاوف الاقتصادية لدى الرأي العام، لكنه سيُظهر أيضاً أنّ الرئيس تجاوز صلاحياته وأُجبر على التراجع قضائياً.
وقد يمتد أثر هذه القضايا إلى صورة المحكمة العليا نفسها، التي تتراجع ثقة الرأي العام بها؛ إذ يبدي نحو نصف الأميركيين رأياً سلبياً فيها. وأي حكم ضد ترامب سيُقرأ بعدسة حزبية: فالجمهوريون يميلون إلى تأييد المحكمة، بينما قد يستعيد الديمقراطيون بعض الثقة بها إذا صوّتت ضد الرئيس.
الأثر على التجارة
لا يزال ترامب، في الوقت نفسه، يمتلك أدوات قوية للضغط على الشركاء التجاريين. فقد تعهّد بمضاعفة الرسوم على الفولاذ والألمنيوم لتصل إلى 50%، وقد يفرض رسوماً مؤقتة تصل إلى 15% لمعالجة عجز ميزان المدفوعات. كما يمكنه توسيع العقوبات والقيود على الصادرات.
ورغم إمكانية العمل مع الكونغرس لسنّ قوانين جديدة تمنحه صلاحيات أوسع، تُظهر الإدارة تفضيلاً واضحاً للتحرّك عبر الأوامر التنفيذية. وتبقى الإجراءات الأحادية خارجياً والتنفيذية داخلياً في صلب أجندة ترامب، حتى مع تحذيرات منتقديه من أنّها تقوّض النظام الاقتصادي الدولي القائم على القواعد وتهزّ الثقة بين واشنطن وشركائها.
المئة يوم الثانية: تصاعد المواجهة
تأتي هذه التطوّرات في وقت تدخل فيه الولاية الثانية لترامب مرحلتها الثانية من المئة يوم، وسط تصاعد المواجهات القانونية التي تقودها جامعات ومكاتب محاماة ومنظمات مدنية ضد تجاوزاته التنفيذية. وقد سبق أن أوقف القضاء مساعي الإدارة لاستهداف شركات محاماة ومنع منح تأشيرات للطلاب الدوليين.
وفي الداخل، يواجه الرئيس ضغوطاً سياسية متزايدة. فقد استقال إيلون ماسك، الذي كان حليفاً مقرّباً، من منصب رفيع في شركة DOGE وانتقد خطة الموازنة التي طرحها ترامب. كما تزداد شكوك رجال الأعمال والناخبين حيال سياسات الرسوم، فيما تظل معدلات شعبية الرئيس عند مستويات متدنية تاريخياً رغم بعض التحسّن الطفيف.
أما بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة، فما زال الغموض وعدم اليقين مستمرَّين. وحتى إذا اعتُبر “يوم التحرير” ذروة حملة الرسوم التي يقودها ترامب، يحذّر محلّلون من خطأ الركون إلى الاطمئنان. فشركاء واشنطن التجاريون يواصلون تعزيز مرونتهم الاقتصادية وتنويع شراكاتهم، ومن المرجّح أن يمضوا قدماً في هذا النهج.