بيروت (أخبار إنمائية) — 30 أيلول/سبتمبر 2025

استقبل حاكم مصرف لبنان كريم سعيد وفداً فرنسياً رفيع المستوى من رجال الأعمال وممثلي نحو 40 شركة فرنسية رائدة، في إطار جهود متواصلة لجذب الاستثمارات الدولية وتسريع التعافي الاقتصادي في لبنان.

الوفد الذي يركّز على قضايا إعادة الإعمار وتحديث المدن، ترأسه رئيس جمعية "ميديف إنترناشونال" والخبير في المدن المستدامة جيرار وولف. وقد عقد أعضاء الوفد اجتماعات مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيري المال يوسف الخليل والاقتصاد أمين سلام، قبل أن يُكرّموا في حفل استقبال نظمه الحاكم سعيد في المعهد المالي للأعمال في بيروت، بحضور السفير الفرنسي هيرفي ماغرو.

وقال وولف إن هذه الزيارة هي الأولى لوفد "ميديف" إلى لبنان منذ أربع سنوات، مؤكداً اهتمام الشركات الفرنسية بالمساهمة في تحديث لبنان باستخدام أحدث التقنيات. وأضاف: "الوفد الفرنسي المؤلف من نحو 40 شركة ومؤسسة فرنسية رائدة، جاء إلى لبنان بعد 4 سنوات من زيارة سابقة"، مشيراً إلى "استعداد أعضاء الوفد للاستثمار في لبنان والمشاركة في تحديث البلد وتوطيد دعائمه من خلال المساعدة في مجالات وسائل النقل، الطاقة، الصحة، وكل القطاعات الحيوية".

من جهته، عرض الحاكم سعيد الاستراتيجية الإصلاحية التي يعتمدها مصرف لبنان، قائلاً إنها ترتكز على أربع ركائز رئيسية تهدف إلى تثبيت الاستقرار النقدي وإعادة هيكلة النظام المالي والمصرفي.

وأوضح أن الركيزة الأولى تتمثل في "تحسين ميزانية المصرف وتنظيفها من الشوائب"، بينما تركّز الركيزة الثانية على "تحديد الخسائر المالية"، متوقعاً إقرار قانون الفجوة المالية "بنهاية السنة الجارية".

أما الركيزة الثالثة، فتقوم على "توزيع الخسائر وتحمل كل فريق مسؤولياته"، بما في ذلك الدولة، المصارف التجارية، ومصرف لبنان نفسه الذي "تعهد بتحمل الجزء الأكبر من العبء".

وأشار إلى أن الركيزة الرابعة تتعلق بـ "الجانب القانوني والتدابير القانونية والتنفيذية المطلوبة" لتنفيذ هذه الإصلاحات.

ورداً على سؤال حول إمكانية عودة التسليفات، قال سعيد إنه يتوقع أن "تستأنف اعتباراً من السنة المقبلة، بما يعيد النشاط الاقتصادي إلى دورته الطبيعية".

وفي كلمته، أكد سعيد أن لبنان "مرّ بأزمة مالية ومصرفية خانقة أثرت على مختلف قطاعات الاقتصاد، وفاقمت من هشاشة النظام المصرفي". وأضاف: "إلا أن إدارة مصرف لبنان اليوم تتبنى نهجاً مغايراً، يقوم على الشفافية والانضباط والتخلي عن السياسات السابقة التي ساهمت في تفاقم الأزمة".

وشدد على أن المصرف المركزي "لم يعد في موقع الدعم غير المشروط للسياسات الحكومية، بل يسعى إلى بناء هيكلية نقدية متماسكة، تركّز على الاستقرار، وتستمد قوتها من التشريعات والمعايير الدولية، بعيداً من منطق الأرباح السريعة والمغامرات المالية".

كما استعرض الإطار المعتمد لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، مشيراً إلى أن الخطة "تهدف إلى معالجة التشوهات المتراكمة في ميزانية المصرف المركزي، وحماية حقوق المودعين، وإعادة توزيع الخسائر بطريقة متوازنة"، مع التشديد على أن "مصرف لبنان تعهد بتحمل الجزء الأكبر من العبء".

وأكد أن "هذه الإجراءات ليست مجرد مقترحات نظرية، بل خطوات عملية تنفذ بإشراف محلي ودعم من شركاء دوليين مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والحكومة الفرنسية، ما يعكس التزاماً فعلياً باستعادة الثقة".

وشدّد سعيد على أن "التعافي الاقتصادي يبدأ من إعادة بناء الثقة"، مضيفاً أن "النظام المالي لا يمكن أن ينهض من دون وجود قطاع مصرفي يتمتع بالحوكمة الجيدة والتمويل الكافي، يكون قادراً على تأمين الائتمان للمؤسسات والمواطنين، واستعادة العلاقة السليمة بين المصارف والمودعين".

كما جدد التأكيد على أن "إعادة أموال المودعين هي من الأولويات، سواء من خلال السيولة أو عبر أدوات مالية ترتكز على أصول المصرف المركزي".

ودعا الحاكم المستثمرين الفرنسيين إلى تعزيز وجودهم في لبنان والمشاركة في ورشة النهوض الاقتصادي، مشدداً على أن "لبنان، برغم ما مرّ به، لا يزال يحتفظ بموقعه كمركز للإبداع والريادة في المنطقة، وهو بصدد استعادة مكانته كوجهة جاذبة للاستثمارات والشراكات النوعية".

وأضاف: "الإصلاح المالي في لبنان لن يكون ظرفياً أو تجميلياً، بل يقوم على أسس متينة من الحوكمة والشفافية، مستلهماً من تجارب عالمية ناجحة، وعلى رأسها النموذج الفرنسي في إدارة المال العام".

وختم سعيد كلمته بالتعبير عن الأمل في أن "يتحول لبنان مجدداً إلى أرض للفرص، وبيئة خصبة للاستثمار، قادرة على استقطاب الشركاء والمستثمرين، وبناء اقتصاد أكثر توازناً واستدامة".