
الشرق الأوسط (خاص إنمائية) - 16 أكتوبر 2025
بعدما اجتمع زعماء العالم في شرم الشيخ لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار المنتظر في غزة، عادت التساؤلات حول كيفية وموعد وإمكانية إعادة إعمار غزة إلى الواجهة من جديد. تعيد هذه المناقشات إحياء سنوات من الطموحات والمقترحات، بما في ذلك خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتحويل غزة إلى "ريفيرا الشرق الأوسط".
ومع ذلك، الواقع على الأرض قاسٍ. تشير تقارير حديثة إلى أن الحرب أنتجت 55 مليون طن من الركام، وهو ما يعادل 13 ضعف كتلة أهرامات الجيزة.
مدى الأضرار
تسببت العمليات العسكرية في تلف أو تدمير 78% من مباني غزة البالغ عددها 250,000 مبنى، مما أنتج 61 مليون طن من الحطام، ويُحتمل أن يحتوي حوالي 15% منها على الأسبستوس والمواد الكيميائية الصناعية أو المعادن الثقيلة.
قال ياكو سيليرز، الممثل الخاص لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمساعدة الشعب الفلسطيني، إن نسبة الدمار في غزة وصلت الآن إلى 84%، وتصل إلى 92% في بعض مناطق مدينة غزة.
الإسكان
تضرر قطاع الإسكان بشكل واسع. أظهرت بيانات الأقمار الصناعية لوكالة UNOSAT أن عدد الوحدات المدمرة ارتفع بشكل حاد في منتصف 2024، ليصل إلى حوالي 282,904 منازل متضررة بحلول يوليو 2025.
قالت مديرة الاتصالات في اليونيسف، تيس إنغرام، إن تسعة من كل عشرة منازل في غزة قد دمرت.
الرعاية الصحية
تعرضت البنية التحتية للرعاية الصحية أيضاً لأضرار كبيرة. تعطلت معظم المستشفيات، تاركة أجزاء واسعة من غزة بلا مرافق طبية تعمل.
في مدينة غزة، تعرضت مستشفيات رئيسية مثل الشفاء والقدس ومستشفى الصداقة التركي الفلسطيني لأضرار بالغة.
حتى سبتمبر 2025، كان 14 من أصل 36 مستشفى في غزة تعمل جزئياً فقط. ولا تزال حوالي ثلث مراكز الرعاية الصحية الأولية البالغ عددها 176 تعمل جزئياً.
التعليم
عانى قطاع التعليم أيضاً من أضرار كبيرة. تأثرت حوالي 97% من المدارس، وتحولت العديد منها إلى ملاجئ للعائلات النازحة، مما ترك أكثر من 658,000 طفل دون تعليم لأكثر من عام.
تشير التقارير إلى أن 518 من أصل 564 مدرسة بحاجة إلى إعادة بناء كاملة أو إصلاحات كبيرة قبل استئناف العملية التعليمية.
ما الذي سيتطلبه الأمر؟
في حين وصف الرئيس دونالد ترامب إعادة الإعمار بأنها "الجزء الأسهل"، لا تزال عملية التعافي بعد الحرب شاقة. تم حتى الآن إزالة حوالي 81,000 طن من الركام، أي حوالي 3,100 شاحنة، معظمها لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وفقاً ليكو سيليرز.
بعيداً عن إزالة الركام، سيتطلب استعادة المنازل والمستشفيات والطرق والمرافق مليارات الدولارات من التمويل. يقدر خبراء الأمم المتحدة أن إعادة إعمار غزة ستكلف حوالي 70 مليار دولار، منها 20 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة للتعافي الفوري.
سيتم تخصيص 15.2 مليار دولار (30% من إجمالي تكاليف التعافي) لإعادة بناء المنازل، وفقاً لتقرير التقييم المؤقت للأضرار والاحتياجات في غزة والضفة الغربية (IRDNA).
قال الدكتور نصر عبد الكريم، أستاذ الاقتصاد والتمويل في الجامعة العربية الأمريكية في فلسطين، لـ"إنمائية": "بالنسبة للمجتمع الدولي، فإن التمويل المطلوب، والذي يبلغ حوالي 6 مليارات دولار سنوياً، هو مبلغ يمكن تحمله. وما هو الأهم هو ضمان تدفق المواد والسلع الأساسية إلى غزة، وتأسيس هيئة إعادة إعمار محترفة من التقنيين للإشراف على العملية."
من المتوقع أن تستغرق عملية الإعمار الكامل من 10 إلى 12 عاماً، رغم أن إعادة بناء البنية التحتية الأساسية مثل المدارس والمستشفيات والمرافق قد تتم بشكل جزئي في وقت أقرب.
قال الدكتور رجاء خالد، المدير العام لمعهد السياسات والبحوث الاقتصادية الفلسطينية لـ"إنمائية": "لم تشهد غزة أبداً تجربة إعادة إعمار ناجحة بالكامل. وتشير معظم التوقعات الحالية إلى أنه إذا استمر الوتيرة كما كانت بين 2014 و2019، فقد يستغرق الأمر عقوداً لإعادة الإعمار الكامل. لذلك، يجب أن تسير الأمور هذه المرة بشكل أسرع بكثير."
رؤية مجزأة
برزت عدة رؤى متنافسة لإعادة إعمار غزة. تتضمن مقترحات رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، الذي سرب تقريره لـ"الغارديان"، إنشاء هيئة استثمار لغزة، لكن مع تفاصيل قليلة حول الشركاء.
تلقى خطة إعادة إعمار غزة، المعروفة بـ"برنامج إعادة التأسيس، تسريع الاقتصاد والتحول" (GREAT)، انتقادات بعد ذكرها نحو 30 شركة عالمية كبرى، بينها تسلا وإيكيا وTSMC، دون علمهم.
كما وضعت السلطة الفلسطينية خطة إعادة إعمار فلسطينية تركز على الملكية والقيادة الفلسطينية.
قال الدكتور خالد: "يجب أن تستند أي خطة إعادة إعمار إلى رؤية وطنية. فقد أعدت السلطة الفلسطينية رؤيتها لإعادة إعمار غزة منذ ستة أشهر، وتوفر إطاراً للإغاثة والتعافي والإعمار، مع أكثر من 100 موقع لإزالة الركام وملاجئ مؤقتة للسكان النازحين."
فرص الاستثمار أو المخاطر؟
يقدم إعادة إعمار غزة فرصاً محتملة للمستثمرين الخاصين. أعلنت دول مثل قطر وتركيا عن خطط لإشراك القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية والتنمية. كما عقد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، هاميش فالكونر، مؤتمراً في لندن بتاريخ 13 أكتوبر جمع بين الفاعلين في القطاع الخاص وكبار المانحين الدوليين.
قال الدكتور عبد الكريم: "يتطلب تطوير البنية التحتية واسعة النطاق، بما في ذلك مناطق التصنيع، وروابط النقل، ومشاريع الطاقة المستدامة، مشاركة كبيرة من القطاع الخاص."
شارك المستثمرون الفلسطينيون الخاصون أيضاً في خطط إعادة إعمار سابقة في غزة.
ومع ذلك، تثير هذه الفرص مخاوف من "رأسمالية الكوارث"، حيث قد تعطي عملية إعادة الإعمار الأولوية للربح على حساب احتياجات السكان.
قال الدكتور عبد الكريم والدكتور خالد لـ"إنمائية" إن الاستثمار الخاص يجب أن يقترن برقابة صارمة والتزام بالتنمية العادلة والمستدامة.
الطريق إلى الأمام
وسط الرؤى المتنافسة والخطط الطموحة والتزامات المانحين المتحفظة، يعتمد نجاح إعادة الإعمار ليس فقط على التمويل، بل أيضاً على التنسيق الفعّال بين السلطات المحلية والمنظمات الدولية والشركاء العالميين.
بدون تخطيط دقيق ودعم دولي مستمر، قد يترك الفارق بين الإغاثة الفورية والإعمار الكامل المجتمعات في وضع هش.


