الذهب والبيتكوين هما أصلان رئيسيان يُشكلان المشهد المالي الحالي.
الذهب والبيتكوين هما أصلان رئيسيان يُشكلان المشهد المالي الحالي.

العالم (خاص إنمائية) - 22 تشرين الأول 2025

مع تزايد القلق من إغلاق الحكومة الأميركية وتجدد التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، تجد الأسواق العالمية نفسها مجددًا في حالة من عدم اليقين. يعيد المستثمرون النظر في مفهوم "الأمان"، مقسمين تركيزهم بين الأصول التقليدية مثل الذهب والدولار الأميركي، والأصول الرقمية الأحدث مثل البيتكوين.

الذهب يلمع وسط الأزمات السياسية والاقتصادية

قفز سعر الذهب إلى أكثر من 4300 دولار للأونصة في 16 أكتوبر، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ سنوات، في ظل توجه المستثمرين نحو الأمان وسط تصاعد التوترات العالمية، وتقلبات الأسواق، والمخاوف من تباطؤ النمو في الاقتصادات الكبرى.

وقد دفعت المخاوف من تصاعد المخاطر الجيوسياسية، بما في ذلك النزاعات في الشرق الأوسط والغموض المحيط بالسياسات التجارية العالمية، المتداولين إلى التوجه نحو الذهب، الذي يُعتبر ملاذًا آمنًا تقليديًا في أوقات عدم الاستقرار.

ووفقًا للبنك المركزي الأوروبي، فقد تفوّق أداء الذهب على غيره من الأصول في أوقات الأزمات المالية العالمية، والتوترات الجيوسياسية، أو تباطؤ النمو الاقتصادي.

فعلى سبيل المثال، خلال فترة الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة بين عامي 2018 و2019، ارتفع سعر الذهب بحوالي 4% مع تراجع ثقة المستثمرين في واشنطن.

وفي أوائل عام 2025، عندما فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية جديدة على السلع الصينية، تجاوز سعر الذهب حاجز 3200 دولار، مدعومًا بضعف الدولار الأميركي. وتوفّر هذه الأحداث السابقة سياقًا لفهم الارتفاع الحالي في أسعار الذهب، رغم أن كل أزمة تحمل مخاطرها الخاصة.

كما بدأت البنوك المركزية بتكديس الذهب، وفقًا لشركة Global X، في إشارة إلى تحول بطيء ولكن مستمر بعيدًا عن الاعتماد على الدولار الأميركي.

وتتوقع شركة J.P. Morgan أن يصل معدل التضخم الأساسي العالمي إلى 3.4% بحلول نهاية عام 2025، مدفوعًا جزئيًا بارتفاع الرسوم الجمركية الأميركية. ومع ارتفاع التضخم وتزايد حالة عدم اليقين المالي، لا يزال الذهب يحتفظ بمكانته كأكثر الأصول موثوقية في العالم كملاذ آمن.

الدولار بين قوتين متضادتين

يواجه الدولار الأميركي ضغوطًا متزايدة على عدة جبهات. فعلى المدى القصير، أدت التوترات التجارية وحالة عدم اليقين في الأسواق إلى تراجع طفيف في قيمته.

وقال "تيم ووترر"، كبير محللي الأسواق في شركة "KCM Trade Global": "تعرّض الدولار لضربة أيضًا، ولكنها كانت أقل حدة. في الواقع، ساعد تراجعه في تخفيف الأثر السلبي على العملات الرقمية."

في المقابل، فإن النظرة المستقبلية طويلة المدى لـ"الدولار" تبدو غامضة في ظل عدم الاستقرار المالي وارتفاع الدين العام، وفقًا لبيانات موقع "ExchangeRates.org".

وتتوقع "صندوق النقد الدولي" أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في "الولايات المتحدة" من 125٪ في عام 2025 إلى 143٪ بحلول عام 2030، مما يثير الشكوك حول قدرة الدولار على الحفاظ على مكانته كعملة احتياطية عالمية مهيمنة.

وتزيد الأمور تعقيدًا التوقعات بأن الإغلاق الحكومي المطول قد يُكلّف الاقتصاد الأميركي ما يصل إلى 15 مليار دولار أسبوعيًا، وفقًا لوكالة "رويترز"، مما يؤدي إلى تعطيل الخدمات وتقويض ثقة السوق.

البيتكوين يحاول إيجاد توازنه

تعكس تحركات البيتكوين حالة عدم اليقين في الأسواق. فبعد أن كان يُعتبر "الذهب الرقمي"، بات الآن يتحرك وفق مزاج المستثمرين العام، صعودًا وهبوطًا.

وقال ووترر:"رغم أن الذهب والعملات المشفّرة يشتركان في الندرة والجاذبية العالمية، يبقى الذهب الملاذ الأول في الأزمات، فيما تظل الكريبتو أكثر مضاربة، رغم أنها قد ترتفع معًا أثناء موجات التضخم."

ومع ذلك، يستمر التقدم. ففي 15 أكتوبر 2025، منحت هيئة الرقابة المصرفية في الولايات المتحدة (OCC) موافقة مشروطة لبنك Erebor الجديد، وهو مؤسسة مالية تركّز على خدمات العملات الرقمية والتكنولوجيا، بحسب موقع Tech Stock.

التنظيم يمنح الأصول الرقمية مصداقية

أدى ظهور أطر قانونية واضحة مثل قانون MiCA الأوروبي وقانون GENIUS الأميركي إلى تعزيز الثقة في سوق العملات الرقمية.

يضع قانون MiCA في أوروبا قواعد واضحة للعملات الرقمية، بما يضمن الشفافية وحماية المستثمرين، وفقًا لـ Coin Desk. أما قانون GENIUS الأميركي، فينظّم العملات المستقرة، ويشترط أن تكون مدعومة بالكامل وآمنة وتُدار بشكل صحيح، بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي.

وقال "جوزيف زاميت" ، المدير التنفيذي في مجال التكنولوجيا المالية وتقنية البلوكشين, لـ"إنمائية": "لقد تحوّلت العملات المشفرة من فكرة هامشية إلى فئة أصول خاضعة للتنظيم. وهي تتفاعل الآن مع أسعار الفائدة، وقوة الدولار، والسيولة العالمية، مثل أي سوق آخر."

البحث عن أصول مقاومة للأزمات

سواء احتفظ المستثمرون بالذهب أو العملات الرقمية أو الدولار، فإن الهدف هو ذاته: الحماية من التقلبات. إلا أن مفهوم "الملاذ الآمن" يتغير بسرعة، تحت تأثير السياسة والتكنولوجيا والنظم المالية الجديدة.

وقال زاميت لـ"إنمائية":"لم يعد الأمر منافسة بين الذهب والكريبتو، بل كيفية تفاعل الذهب والبيتكوين والدولار معًا في ظل تحولات البنية المالية العالمية."

ومع استمرار الأسواق في التعامل مع الإغلاقات الحكومية، والحروب التجارية، والتنظيمات المتغيرة، يتضح أن تنويع الأصول يبقى الوسيلة الوحيدة الفعالة لمواجهة عدم اليقين.