لبنان (خاص انمائية) – 31 تشرين الأول 2025

تتصاعد ظاهرة التسول في لبنان بشكل ملحوظ، لتتحوّل من مشهد مألوف في الشوارع إلى مشكلة اجتماعية وأمنية خطيرة تهدد النسيج المجتمعي.

تنتشر فئات مختلفة من المتسولين في أماكن متعددة، من إشارات المرور المزدحمة وأمام المحال التجارية، إلى مداخل المستشفيات والمدارس ودور العبادة، ما يثير التساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة وخطورتها على المجتمع.

بينما يثير مشهد الأطفال والنساء وكبار السن المتسولين مشاعر الشفقة، يكشف الواقع أن جزءًا كبيرًا منهم مستغل من قبل شبكات إجرامية منظمة تسلب إيراداتهم، وتستخدمهم في أنشطة غير قانونية، من سرقة ونشل إلى تجارة مخدرات، وحتى استغلال جنسي للأطفال في بعض الحالات.

ففي ظل هذه المخاطر، يبقى السؤال: كيف يحمي القانون اللبناني هؤلاء الفئات الضعيفة ويضع حدًا للاستغلال؟

التزامات لبنان الدولية لحماية الأطفال

لبنان التزم في دستوره بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، وكذلك بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الإنسان. ومن أبرز هذه الالتزامات الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 تشرين الثاني 1989، وصادقت عليها الحكومة اللبنانية في 20 تشرين الثاني 1990.

كما وقع لبنان على اتفاقية حقوق الطفل بتاريخ 26 تشرين الاول 1990، والتي أقرّتها الأمم المتحدة، وصدّق عليها بموجب القانون رقم 20 بتاريخ 30 كانون الثاني 1990. هذه الاتفاقيات تضمن حماية الأطفال من الاستغلال، بما في ذلك التسول والعمل القسري، وتؤكد ضرورة توفير رعاية وحماية خاصة لهم لضمان نموهم في بيئة آمنة وصحية.

التسول وفق القانون اللبناني

ينص القانون اللبناني على أن من كان له موارد مالية أو القدرة على العمل لكنه يستجدي لأغراضه الخاصة يُعتبر مرتكبًا لجريمة التسول، ويُعاقب بالحبس مع التشغيل من شهر إلى ستة أشهر. في حال التكرار، يمكن وضعه في دور تشغيل إجبارية.

كما يعاقب القانون من أصبح مضطرًا للاستجداء بسبب الكسل أو الإدمان على الكحول أو المقامرة بنفس العقوبة، مع إمكانية منعه من الذهاب إلى أماكن بيع المشروبات.

مصادرة أموال المتسولين غير المحتاجين

إذا ضبط القانون شخصًا يمارس التسول رغم أنه غير محتاج، يمكن مصادرة أمواله بما فيها النقود والمجوهرات وأي ممتلكات لحساب الدولة. هذا الإجراء يضمن أن من يدعي الفقر لأغراض الربح الشخصي لا يستفيد من هذه الممارسة.

وفي الماضي، كانت الحكومة اللبنانية توفر أيضًا مراكز إيواء للمشردين والمحتاجين، مع دفع بدلات يومية لرعايتهم وفق فئات مختلفة مثل الأطفال والأيتام والمسنين.

حماية الأطفال والمراهقين

الأطفال المتسولون أو المشردون يُعتبرون ضحايا تحتاج لهم حماية خاصة وفق اتفاقيات حقوق الطفل والقوانين اللبنانية. وأي شخص يجبر الأطفال على التسول أو يتركهم في الشوارع يُعاقب وفق القانون، مع عقوبات تصل أحيانًا إلى السجن لسنوات وغرامات مالية كبيرة.

الى ذلك، ان القضاء ملزم باتخاذ إجراءات حماية للأطفال، بما في ذلك مراقبتهم وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لضمان عدم تعرضهم للاستغلال أو الانحراف.

التسول الاحتيالي وعصابات الاستغلال

إذا استخدم المتسول طرقًا احتيالية مثل التظاهر بالجروح، حمل شهادة فقر كاذبة، التهديد، أو استخدام الأطفال للاستجداء، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وقد يُوضع في دور تشغيل.

أما إذا كان التسول ضمن عصابات منظمة أو استغلال الأطفال، فيعد جريمة اتجار بالبشر، ويصل العقاب إلى 15 سنة سجن وغرامات مالية ضخمة.

دور السلطات والبلديات

تلعب البلديات دورًا أساسيًا في متابعة ومعالجة حالات التسوّل في الشوارع، خصوصًا عندما يكون المتسوّل طفلًا أو شخصًا بلا مأوى. ويسهم التنسيق بين السلطات المحلية ووزارة الداخلية في ضمان تطبيق إجراءات الحماية بفعالية ومحاسبة الجهات التي تستغل الفئات الضعيفة.

إلى جانب تطبيق القوانين، يتطلّب الحدّ من ظاهرة التسوّل المنظّم مقاربة اجتماعية أشمل. فتعزيز الوعي المجتمعي، وتفعيل الشراكات مع الجمعيات الخيرية، ووضع استراتيجيات وطنية طويلة الأمد للحد من الفقر، تُعد خطوات ضرورية نحو شوارع أكثر أمانًا وظروف معيشية أكثر كرامة لجميع المواطنين.