
لبنان - (خاص إنمائية) 7 تشرين الثاني 2025
تُظهر لوحة بيانات التطعيم لعام 2024 الصادرة عن منظمة الصحة العالمية (WHO) أن تغطية التطعيم الروتيني في لبنان للمستضدات الرئيسية قد انخفضت في السنوات الأخيرة. إذا استمر هذا النمط، فقد يشير ذلك إلى انتكاسة أوسع نطاقاً في مجال الصحة العامة، مما يعرض البلاد لخطر تفشي أمراض كانت في السابق تحت السيطرة إلى حد كبير.
لكن ما الأسباب وراء هذا التراجع المقلق، وماذا تفعل وزارة الصحة لعكس هذا الانخفاض؟
ماذا تقول الأرقام؟
تكشف لوحة بيانات منظمة الصحة العالمية عن انخفاض حاد في معدلات التطعيم لعدة لقاحات روتينية في لبنان. وتظهر البيانات فجوة كبيرة بين الجرعات الأولية والمتابعة. على سبيل المثال، تبلغ تغطية الجرعة الأولى من لقاح الخناق والكزاز والسعال الديكي (DTP1) 76٪، بينما تنخفض الجرعة الثالثة (DTP3) إلى حوالي 55٪.
وهذا يعني أن ما يقرب من نصف الأطفال اللبنانيين لم يكملوا دورة التطعيم الكاملة ضد الدفتيريا والكزاز والسعال الديكي. وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، يحمي لقاح DTP من الدفتيريا والكزاز والسعال الديكي، وهي أمراض بكتيرية خطيرة يمكن الوقاية منها بسهولة من خلال التطعيم.
ويظهر انخفاض مماثل في لقاح الحصبة (MCV1)، حيث انخفضت التغطية من 82٪ في عام 2019 إلى 67٪ في عام 2024.
يدعم تقرير صادر عن اليونيسف في منتصف عام 2024 هذه النتائج، حيث كشف أن 55٪ فقط من الأطفال دون سن السنة الواحدة تلقوا جميع التطعيمات الروتينية، وفقًا لـ "L’Orient Today".
قالت الدكتورة ألكسندرا الخوري، أخصائية صحة المرأة والأسرة، لـ"إنمائية": "لقد لاحظنا تزايدًا في المواقف المناهضة للتطعيم على الصعيد العالمي وفي لبنان. كما نشهد زيادة في المشاكل الصحية نتيجة توقف إعطاء بعض اللقاحات."
لماذا تتراجع معدلات التطعيم؟
يعود الانخفاض في معدلات التطعيم إلى مزيج من التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أضعفت النظام الصحي اللبناني في السنوات الأخيرة. فقد تركت الأزمة الاقتصادية المستمرة العديد من العائلات غير قادرة على تحمّل تكاليف النقل أو الرسوم الطبية، حتى بالنسبة للبرامج التي يُفترض أن تكون مجانية. كما واجهت المستشفيات والمراكز الصحية نقصًا في اللقاحات والكادر الطبي، ما أدى إلى اضطراب جداول التحصين الروتينية.
وتضيف الأزمة الإنسانية للاجئين طبقة إضافية من التعقيد، إذ يفتقر العديد من الأطفال، خاصة في المخيمات العشوائية، إلى الوصول المنتظم للرعاية الصحية أو الوثائق الرسمية، مما يصعب على السلطات الصحية متابعة سجلات التطعيم.
إضافة إلى ذلك، برزت ظاهرة التردد في أخذ اللقاحات بشكل متزايد.
قالت الدكتورة الخوري: "يفترض الكثيرون أن اللقاحات مرتبطة بمشكلات صحية مختلفة، وغالبًا ما يُذكر التوحد كمصدر قلق رئيسي، ويزعم البعض أنها تسبب مشاكل عقلية أو عصبية. عند قراءة أي مقال عن تأثير اللقاحات، من المهم مراعاة عوامل مثل حجم العينة والمتغيرات الأخرى."
وأضافت الدكتورة الخوري: "خلال نقاشي مع شخص من المجتمع المعارض للتطعيم، أشرت إلى أن إحدى الدراسات شملت عددًا أكبر بكثير من الأفراد الذين تم تطعيمهم مقارنة بمجموعة أصغر من غير المطعمين. وبطبيعة الحال، فإن هذا الاختلاف في حجم العينة يمكن أن يجعل الأمراض تبدو أكثر شيوعًا بين المجموعة المُلقحة."
وقد تفاقم هذا التردد بسبب جائحة كوفيد-19. بحلول نهاية عام 2023، أظهرت بيانات منظمة الصحة العالمية أن ثلث سكان لبنان فقط قد أكملوا دورة التطعيم الكاملة ضد كورونا. وقد امتد هذا التردد إلى برامج التحصين الروتينية، مما أثر على رغبة الأهالي في تطعيم أطفالهم ضد الأمراض التي يمكن الوقاية منها.
قالت الدكتورة الخوري: "أفاد بعض الأشخاص بفقدان الذاكرة بعد تلقي لقاح كوفيد-19، لكن إذا كنت قد أصبت بالفيروس، فإن ما يؤثر على الذاكرة هو العدوى نفسها، وليس اللقاح."
قالت الدكتورة الخوري: "لقد شهدنا عددًا قليلاً جدًا من حالات مضاعفات المرتبطة بلقاح كوفيد-19. ومع ذلك، يجب على الناس أن يفهموا أن لقاح كوفيد-19 جديد نسبيًا، في حين أن اللقاحات الأخرى تستخدم منذ مئات السنين، لذا لا يمكن مقارنتها مباشرة."
وأخيرًا، ساهم ضعف تقارير البيانات والتنسيق بين مقدمي الرعاية العامة والخاصة في صعوبة التخطيط لحملات تطعيم فعّالة. مجتمعةً، خلقت هذه التحديات فجوات خطيرة في تغطية التحصين، تاركة جيلًا من الأطفال أكثر عرضة للأمراض التي يمكن الوقاية منها.
ماذا تفعل الدولة؟
ردًا على تراجع معدلات التطعيم، أطلقت وزارة الصحة العامة اللبنانية عدة مبادرات لاستعادة الثقة وتحسين الوصول إلى خدمات التطعيم.
وفقًا لتقارير MTV، فقد أطلقت الوزارة في سبتمبر 2025، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية (WHO) وبتمويل من مبادرة الشراكة لإدخال لقاح الإنفلونزا (PIVI)، الحملة الوطنية للتطعيم ضد الإنفلونزا لعام 2025 في مستشفى رفيق الحريري الجامعي.
تشمل الفئات المستهدفة كبار السن، الأطفال، الحوامل، المصابين بالأمراض المزمنة، والعاملين في القطاع الصحي.
كما نشرت الوزارة فرق التطعيم المتنقلة للوصول إلى المخيمات العشوائية والمناطق الريفية التي تعاني من محدودية الوصول إلى الرعاية الصحية.
وبالشراكة مع الصليب الأحمر اللبناني، وتحالف اللقاحات (Gavi)، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر (IFRC)، استهدفت هذه الفرق أكثر من 19 ألف طفل نازح ولاجئ في مناطق مثل بعلبك-الهرمل، عكار، وسهل البقاع.
هل يستطيع لبنان عكس مسار التدهور؟
أن فجوة التطعيم في لبنان قابلة للتدارك، ولكن ذلك لن يتحقق إلا من خلال التزام حكومي مستمر، وتمويل ثابت، ومشاركة مجتمعية فعّالة.
وستتطلب استعادة ثقة الجمهور تواصلاً شفافاً، وتوفير إمدادات موثوقة من اللقاحات، وجهوداً منسقة بين الشركاء الوطنيين والدوليين.
في الوقت الراهن، يبقى انخفاض معدلات التحصين مؤشراً مقلقاً، وتذكيراً بأنه حتى في ظل الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي يواجهها لبنان، لا يمكن إهمال الصحة العامة.


