شاشة هاتف ذكي تعرض تطبيقات التواصل الاجتماعي مع إشعارات، تعكس حالة الإرهاق الرقمي.
شاشة هاتف ذكي تعرض تطبيقات التواصل الاجتماعي مع إشعارات، تعكس حالة الإرهاق الرقمي.

نسمع النصيحة نفسها باستمرار: «قلّل وقت استخدامك للشاشات». لكن هذه النصيحة لا تلامس جوهر المشكلة. فمعظم الناس لا يعانون من الإرهاق لأنهم أمضوا بضع دقائق إضافية في التصفح، بل لأن انتباههم يتعرّض للتشتيت طوال اليوم بفعل عدد لا يُحصى من المقاطعات الرقمية التي بالكاد يلاحظونها.

هنا يبرز مفهوم ضغط الإشعارات. وهو شكل هادئ وحديث من الإرهاق الرقمي يتراكم من دون أن نشعر به. كل تنبيه، واهتزاز، ولافتة، ونقطة حمراء، ومعاينة، ورسالة خاصة، وتذكير، وبريد إلكتروني «عاجل» يتكدّس فوق الآخر، فيضغط تركيزك ويُبقيك في حالة دائمة من التأهّب الذهني منخفض الحدة.

المشكلة ليست ببساطة في مقدار الوقت الذي نقضيه على الإنترنت، بل في أن أدمغتنا نادرًا ما تحصل على فرصة حقيقية للانفصال. عندما يُسحب انتباهنا باستمرار، حتى بطرق صغيرة، لا ينال العقل الراحة الكافية، ويؤدي هذا الضغط المتواصل في النهاية إلى الإرهاق.

بعبارة أخرى، دماغك ليس مُثقَلًا لأنه متصل أكثر من اللازم، بل لأنه لا يُسمح له أبدًا بأن ينطفئ فعليًا.

دعونا نفكك هذا المفهوم ونتحدث عن طرق واقعية للتعامل معه.

ما هو ضغط الإشعارات؟

يحدث ضغط الإشعارات عندما تتراكم المقاطعات الرقمية الصغيرة والمتكررة بشكل متقارب لدرجة أن الدماغ لا يحصل على استراحة معرفية حقيقية. حتى عندما تعتقد أنك في حالة راحة، يظل انتباهك يتنقل بين التطبيقات، وعلامات التبويب، والمحادثات، والتنبيهات.

يبدو الأمر كالتالي:

تشاهد برنامجًا، فيرنّ واتساب.
تردّ على الرسالة، فيضيء إنستغرام.
تفتح إنستغرام، فتظهر رسالة من سلاك.
تدخل إلى سلاك، فيقاطعك إشعار بريد إلكتروني.

كل واحدة من هذه اللحظات لا تبدو مرهقة بحد ذاتها. لكن مجتمعة، تتحول إلى سلسلة متواصلة من المقاطعات.

الأمر يشبه محاولة الاسترخاء بينما يربّت أحدهم على كتفك كل دقيقة.

لماذا هذا النوع من الإرهاق أشد تأثيرًا؟

1. يجزّئ تركيزك
كل مقاطعة تجبر دماغك على إعادة الضبط. لا تصل أبدًا إلى حالة التركيز العميق، وهي المساحة التي تنشأ فيها الإبداعية، وحل المشكلات، والراحة الذهنية الحقيقية.

2. يخلق شعورًا زائفًا بالانشغال
تشعر وكأنك كنت منشغلًا طوال اليوم، لكنك تجد صعوبة في تحديد ما أنجزته فعليًا. هذا الضباب الذهني ناتج عن التنقل المستمر بين المهام، لا عن الإنتاجية.

3. يُبقي الدماغ في وضع الترقّب
يظل عقلك في حالة استعداد خفيفة، مترقبًا الرسالة التالية أو الإشعار القادم. هذا الترقب المستمر مُرهق، حتى في غياب أي أمر عاجل.

4. يسرق فترات التعافي الحقيقية
الاستراحة لا تكون استراحة إذا امتلأت بالتنبيهات. من دون لحظات هدوء، لا يتمكن الدماغ من إعادة التوازن.

كيف نمنع الإرهاق الناتج عن ضغط الإشعارات؟

الأمر لا يتعلق بصيام رقمي قاسٍ، ولا بحذف كل التطبيقات، ولا بالشعور بالذنب تجاه التكنولوجيا. الهدف هو بناء حدود صحية، لا التخلي عنها.

1. استخدم مناطق للإشعارات، لا قواعد منع الهاتف
بدل حظر الهاتف في أوقات محددة، اسمح بالإشعارات فقط خلال نوافذ زمنية معيّنة. راجع كل شيء خلالها، وخارجها قم بكتم الإشعارات. هذا يمنح دماغك فترات راحة يمكن التنبؤ بها.

2. قلّل الإشعارات الصغيرة، لا كل الإشعارات
استهدف تقليل نحو 70 في المئة من الإشعارات، لا 100 في المئة. احتفظ فقط بما هو أساسي، مثل التذكيرات التي تضبطها بنفسك وتطبيقات العمل خلال ساعات العمل.

أوقف إشعارات الإعجابات، والمتابعات، والعروض الترويجية، والاقتراحات، والشارات، والتحديثات. هكذا يعود الهاتف أداة، لا ضجيجًا دائمًا في الخلفية.

3. التزم بتطبيق واحد في كل مرة
يتضاعف الإرهاق عندما تقفز بين التطبيقات. إذا فتحت تطبيقًا، أنهِ ما تريد القيام به فيه قبل الانتقال إلى غيره. هذه القاعدة البسيطة تقلّل الحمل الذهني أكثر من معظم حيل إدارة الوقت.

4. أدرج فترات تبريد ذهني في يومك
كما يحتاج الجسد إلى تعافٍ بعد التمرين، يحتاج العقل إلى تعافٍ بعد الحمل الرقمي. خمس إلى عشر دقائق من أنشطة هادئة مثل النظر من النافذة، أو التمدد الخفيف، أو المشي، أو كتابة سطر واحد في دفتر يمكن أن تعيد ضبط تركيزك بسرعة مدهشة.

5. استبدل التمرير التلقائي بالسكون التلقائي
عندما نشعر بالملل، يميل معظمنا إلى التقاط الهاتف تلقائيًا. لست مضطرًا لإلغاء هذه العادة، بل فقط تلطيفها. ضع بديلًا قريبًا من هاتفك، ككتاب، أو دفتر، أو شيء بسيط تشغَل به يديك.

التغييرات الصغيرة تُضعف اندفاع التمرير التلقائي وتمنح عقلك مساحة للتنفس.

لماذا هذا النهج أفضل من تقليل وقت الشاشة؟

المشكلة الحقيقية ليست في مدة وجودك على الإنترنت، بل في عدد المرات التي يُسحب فيها انتباهك. المقاطعات المستمرة تفتّت تركيزك وتُبقي عقلك في حالة توتر منخفضة الحدة. من خلال تقليل التشتيت بدل تقييد الاستخدام، تمنح دماغك فرصة للتعافي، والتفكير بوضوح، والشعور بضغط أقل. والأهم أن هذه التغييرات سهلة الدمج في الحياة اليومية من دون الحاجة إلى قلب روتينك رأسًا على عقب.