
لبنان (خاص إنمائية) - 26 كانون الأول 2025
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أصبحت أستراليا أول دولة تمنع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون سن 16 عاماً. ويأتي الحظر، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 ديسمبر، في وقت يواجه فيه العالم أزمة متصاعدة في الصحة النفسية بين الأطفال والمراهقين، نتيجة التعرض المستمر للشاشات وتشابك الحدود بين الحياة الرقمية والحياة الواقعية.
لاستكشاف الآثار النفسية الأقل وضوحاً لوسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال، والنظر فيما إذا كان يجب على لبنان اتباع نهج مشابه، تحدثت إنمايا مع الدكتورة رهام منذر، أخصائية علم النفس وخبيرة صحة الطفل.
ما هي الآثار النفسية الدقيقة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال والتي يغفل عنها الأهل غالباً؟
عند الحديث عن وقت الشاشة، يجب النظر ليس فقط إلى مدة استخدام الأطفال للشاشات، بل أيضاً إلى المحتوى الذي يتعرضون له. فالآثار النفسية لما يشاهدونه لا تقل أهمية عن الوقت نفسه. الأطفال، مثل البالغين، يقارنون أنفسهم باستمرار بالآخرين على الإنترنت، ما قد يخلق شعوراً بالنقص عند مقارنتهم بصور النجاح أو الجمال أو المكافآت.
مع مرور الوقت، يؤدي ذلك إلى انخفاض تقدير الذات. كما يمكن لاستخدام الشاشات أن يسبب "قلقاً خفياً"، حيث يشعر الطفل باليقظة المستمرة في انتظار الإشعارات أو الرسائل. بالإضافة إلى ذلك، يقلل التمرير المستمر من قدرة الطفل على التخيل أو التسلية الذاتية أو الشعور بالملل، وهي مهارات أساسية للإبداع والنمو العاطفي.
كيف تغير وسائل التواصل الاجتماعي إدراك الأطفال للواقع أو قيمتهم الذاتية بطريقة تختلف عن التنمر التقليدي؟
كان التنمر التقليدي يحدث في أماكن محددة مثل المدرسة أو الملعب. أما وسائل التواصل الاجتماعي فلا توفر مساحة آمنة، إذ يمكن أن يتبّع التنمر الطفل في كل مكان، وقد لا يأتي من شخص أو شخصين، بل من مجموعة كاملة أو مجتمع رقمي كامل. سواء كان الطفل يستهلك المحتوى أو يشارك في إنشائه، يمكن أن يكون الأثر ضاراً.
بالنسبة لصناع المحتوى، يمكن أن تصبح قيمتهم الذاتية مرتبطة بالأرقام، الإعجابات، المشاهدات والمتابعين. أما بالنسبة للأطفال غير المبدعين، فإن الشعور بـ"قلة الشعبية" على الإنترنت قد يولد شعوراً بالنقص. غالباً ما يجد الأطفال صعوبة في فصل الحياة الرقمية عن الحياة الواقعية، مما يجعل تجاربهم اليومية تبدو مملة أو غير مهمة مقارنة بما يرونه على الإنترنت، ويؤثر ذلك على تقديرهم لذاتهم وإحساسهم بالواقع.
هل هناك ميزات معينة في وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الخوارزميات أو المحتوى القصير، ضارة بشكل خاص للأدمغة النامية؟
المحتوى القصير، بما في ذلك فيديوهات وسائل التواصل الاجتماعي وYouTube Shorts، يدرب أدمغة الأطفال والبالغين على البحث عن جرعات سريعة من الدوبامين. يتغير المحتوى كل بضع ثوانٍ، مما يحافظ على تنبيه الدماغ المستمر دون جهد.
نتيجة لذلك، قد يجد الأطفال صعوبة في التركيز في الصف، أو إجراء المحادثات، أو الانخراط في أنشطة تتطلب الصبر والانتباه المستمر، مثل الألعاب أو القراءة.
تلعب الخوارزميات دوراً كبيراً أيضاً. إذا أعجب الطفل بمنشور عن طفل آخر في عطلة أو بأسلوب حياة معين، ستستمر المنصة في عرض محتوى مشابه. هذا التعرض المتكرر يغذي المقارنات وقد يضر بصورة الطفل الذاتية وثقته بنفسه.
إذا كانت هذه التأثيرات ضارة بالفعل للبالغين، فهي أكثر إثارة للقلق بالنسبة للأطفال والمراهقين، الذين لا يزال إحساسهم بالهوية وقيمتهم الذاتية في طور التكوين.
أستراليا تفرض حدود عمرية صارمة للوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال. من منظور نفسي، هل تحمي مثل هذه القوانين فعلاً الصحة النفسية؟
أتمنى حقاً أن يُطبق هذا القانون في كل مكان. فقد أظهر الأطفال والكثير من الأهل حول العالم أنهم غالباً غير قادرين على تنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو مراقبة نشاطهم الرقمي بشكل صحيح. رغم الحملات التوعوية، تبقى النتائج محدودة.
في هذه المرحلة، أعتقد أن الحل الواقعي الوحيد هو الحظر خلال سنوات التطور المبكرة. ومع ذلك، فإن الحظر وحده لا يكفي، إذ قد يتحول القانون إلى مجرد نص على الورق إذا لم يُرافقه توعية، وسيحاول المراهقون تجاوزه.
إنها خطوة جريئة لكنها ضرورية. مع ارتفاع مستويات التحفيز الدماغي المفرط، والقلق، والاكتئاب بين الأطفال، يجب أن تأتي حماية العقول النامية قبل الراحة أو الحرية الرقمية.
إذا أراد لبنان اعتماد تشريع مماثل، ما التحديات الثقافية أو التكنولوجية أو الاجتماعية التي قد تواجهه؟
إذا تم تطبيق قانون مثل هذا في لبنان بدون توعية مناسبة، سيحاول الكثيرون تجاوزه. يجب توقع كيف قد يحاول الأطفال والمراهقون تجاوز هذه القيود، مثل استخدام الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) أو الحسابات المزيفة، ومعالجة هذه السلوكيات بشكل استباقي من خلال التعليم، مشاركة الأهل، وتثقيف الأطفال رقمياً، وليس الاكتفاء بالإنفاذ.
هل يمكن أن تنقلب قيود العمر القانونية ضدنا، مثلاً بدفع الأطفال لإخفاء نشاطهم الرقمي، أم أن الفائدة تفوق هذه المخاطر؟
قد تنقلب الأمور إذا لم نشرح للأطفال بوضوح سبب هذه القيود وعرضنا عليهم الدراسات الحقيقية التي تبين تأثير الإفراط في استخدام الشاشات على الصحة النفسية. بدون فهم، لن يقبل الأطفال القواعد وسيحاولون تجاوزها، كما قد يفعل بعض الأطفال في أستراليا بالفعل.
كيف نوازن بين الفوائد الاجتماعية والتعليمية التي لا يمكن إنكارها لوسائل التواصل الاجتماعي والأضرار النفسية المحتملة للمستخدمين الصغار؟
لسنا بصدد حظر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل دائم. لكن كل الحلول الأخرى التي جربناها فشلت. قد يكون التقييد المؤقت هو الطريقة الوحيدة لتذكير الأطفال بأن بإمكانهم العيش دون وسائل التواصل الاجتماعي، وأن الحياة لا تدور حول الهواتف أو التحقق الرقمي من قيمتهم.
يعد هذا الانفصال الرقمي الأولي ضرورياً. بعد الابتعاد عن أنماط الاستخدام السامة، يمكننا البدء في إعادة تقديم وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة صحية. عندها يصبح التعليم فعالاً: تعليم الأطفال ما المحتوى الذي يجب مشاهدته، وكيفية استخدام الخوارزميات لصالحهم، وكيفية تطوير مهاراتهم وهواياتهم عبر الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.
الترويج لفوائد التكنولوجيا دون معالجة الضرر أولاً أمر غير فعال. يجب أن تأتي مرحلة الانفصال الرقمي أولاً، والتعليم يأتي بعدها.
مع مواجهة لبنان لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي المتزايد على صحة الأطفال النفسية، تؤكد الدكتورة منذر أن التدخلات يجب أن تتجاوز الحلول السريعة. من خلال التعليم المستهدف، والتوعية، واستراتيجيات متوافقة مع الثقافة المحلية، يمكن للبلاد التحول من إجراءات تفاعلية إلى حلول مستدامة تساعد الأطفال على تطوير عادات رقمية صحية.


